الشتاء ربيع المؤمن

  • 232

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

جاء فصل الشتاء، وهو آية مِن آيات الله التي تدعو إلى التفكر، يتوقف الصالحون عنده بالتأمل والتدبر.

ومِن هذه الوقفات: كيف يستفيدون منه مِن خلال ما جاء في حديث: "الشتاء ربيع المؤمن" (رواه أحمد، وضعفه الألباني)؟!

فكثير مِن الناس لا يرى في فصل الشتاء إلا البرد، ووحل الطرقات وأمراض الشتاء.

وكثير مِن الناس لا يرى منه إلا النوم والكسل، وأنه مانع مِن الانطلاق في الرحلات والمتنزهات، وغيرهم يراه كذا... وهكذا.

- وأما الصالحون: فإنهم يفرحون لقدومه، ويتأهبون لتعميره، ويحزنون لفواته، فالشتاء عندهم موسم مِن مواسم العبادة، فهو الفصل الذي يطول فيه الليل، فتعظم لهم فرصة القيام، ويقصر فيه النهار، فتعظم فيه فرصة الصيام.

 - كان ابن مسعود -رضي الله عنه- إذا دخل الشتاء يقول: "مرحبًا بالشتاء، تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام".

- وكان عبيد بن عمير -رحمه الله- يقول إذا دخل الشتاء: "يا أهل القرآن، طال ليلكم لقراءتكم فاقرءوا، وقصر النهار لصومكم فصوموا".

ولما حضرت الوفاة معاذ بن جبل، جعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: "أبكي لظمأ الهواجر، وقيام الليل في الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر!".

فهؤلاء الذين يرون الشتاء ربيعًا, وقليل ما هم!

قال ابن رجب -رحمه الله-: "إنما كان الشتاء ربيع المؤمن؛ لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، ويتنزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه، كما البهائم في مرعى الربيع، فتسمن وتصلُح أجسادها، فكذلك يصلُح دين المؤمن في الشتاء، بما يسر الله فيه مِن الطاعات" (انتهى).

وأختم بمثالٍ تشجيعي لكل مسلم على الاجتهاد فى العبادات في فصل الشتاء، وهو: أن أحد الإخوة المرضى بمرض السكري المصحوب بالالتهاب الحاد في الأعصاب، وكلاهما يمنعه مِن صيام النوافل وكثرة القيام "وذلك لأن الأول يسبب الجوع المستمر، والآخر يسبب الحاجة إلى النوم الكثير"، يقول: "فإذا جاء فصل الشتاء، جاءت فرحتي، وزادت فرصتي؛ ذلك لأنني فيه أستطيع الإكثار مِن الصيام، وأخذ جزءٍ مِن الليل للقيام، فأتذوق عندها معنى حديث: الشتاء ربيع المؤمن".

فاللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.