النخلة!

  • 180

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟) فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي. قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: (هِيَ النَّخْلَةُ). قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ: "لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا" (متفق عليه). وفي رواية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ المُسْلِمِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلاَ تَحُتُّ وَرَقَهَا) فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هِيَ النَّخْلَةُ)، فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي قُلْتُ: "يَا أَبَتَاهُ، وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا، لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا" (متفق عليه). وفي رواية: "وَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَوْ رُوعِيَ، أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا، فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ، فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، فَلَمَّا سَكَتُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هِيَ النَّخْلَةُ) (رواه مسلم).

وفي هذا الحديث عدة فوائد يجب على كل مسلم أن يستفيد منها ويعمل بها لكي يكون صورة مشرفة للإسلام:

- منها: استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أفهامهم ويرغبهم في الفكر والاعتناء.

- ومنها: ضرب الأمثال والأشباه.

- ومنها: توقير الكبار كما فعل ابن عمر -رضي الله عنهما-، لكن إذا لم يعرف الكبار المسألة فينبغي للصغير الذي يعرفها أن يقولها.

- ومنها: سرور الإنسان بنجابة ولده وحُسن فهمه, فعمر -رضي الله عنه- تمنى أن ابنه أجاب ليعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- حُسن فهمه ونجابته ويدعو له.

قال العلماء: "وشبَّه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها, ووجوده على الدوام، فإنه مِن حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة, ومِن خشبها وورقها وأغصانها, فيستعمل جذوعًا وحطبًا وعصيًّا، ومخاصر، وحصرًا وحبالاً، وغير ذلك، ثم آخر شيء منها نواها ينتفع به علفًا لبعض الحيوانات, ثم جمال نباتها وحسن هيئة ثمرها فهي منافع كلها وخير وجمال, كما أن المؤمن خير كله مِن كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه، ويحافِظ على صلاته وصيامه، وقراءته وذكره، والصدقة والصلة وسائر الطاعات، وغير ذلك؛ فهذا هو الصحيح مِن وجه التشبيه".

فالمؤمن كالغيث أينما وقع نفع!

قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "وَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَوْ رُوعِيَ، أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَجَعَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهَا، فَإِذَا أَسْنَانُ الْقَوْمِ، فَأَهَابُ أَنْ أَتَكَلَّمَ": وهذا مِن أدب ابن عمر الجم, وهكذا يجب أن يكون الشباب مع الكبار مِن الأدب والتوقير.

والحمد لله رب العالمين.