مِن مفاتيح الرزق (2)

  • 235

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالله -تعالى- المتكفل بأرزاق كل المخلوقات قد جعل للرزق أسبابًا مادية، وأسبابًا شرعية.

فالأسباب المادية: أن تسعى في الأرض تلتمس الرزق، وتجتهد في تحصيله، غير متكاسل ولا متواكل، ولا تجلس عالة على الناس، حتى ولو كان هذا السعي في حدود إمكاناتٍ ضيقةٍ ضعيفةٍ، ويجمع ذلك قوله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15).

أما الأسباب الشرعية، فمنها:

(1، 2) الإيمان والتقوى: قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف:96)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق:2-3)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق:4)، وقال -تعالى-: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) (الجن:16).

(3) إقامة شرع الله والاستقامة على دينه: قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ . وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ) (المائدة:65-66)

(4) الاستغفار والتوبة: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح:10-12). "شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال: استغفر الله. وشكا آخر إليه الفقر، فقال: استغفر الله. وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بساتينه، فقال له: استغفر الله. فقلنا له في ذلك! فقال: ما قلتُ مِن عندي شيئًا، إن الله -تعالى- يقول في سورة نوح: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)" (تفسير القرطبي).

وقال -تعالى-: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) (هود:3)، وقال -تعالى-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (هود:52)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الشيخ أحمد شاكر).

(5) التوكل على الله:

قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق:3). وعن عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني). والتوكل هو اعتماد القلب على الله، مع الأخذ بالأسباب المتاحة؛ شرعية كانت أو مادية.

(6) التفرغ لعبادة الله:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي، أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ، مَلَأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

ومعنى (تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي): أي أن همه في كل شئونه وأحواله رضا الله -تعالى-؛ ففي العمل أو المنزل أو المسجد أو الشارع، حيثما حلَّ وارتحل يبحث عما يرضي الله ويفعله، ويجتنب ما يسخطه، يؤدي ما عليه مِن حقوقٍ وواجباتٍ، ويعطي كل ذي حق حقه.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.