نحن في حاجة إلى التخصص!

  • 161

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فكل مؤسسة ناجحة تحتاج إلى متخصصين أكفاء في المجال الذي تعمل به لكي تحدث تقدمًا نوعيًّا في مجالها، وتحدث الفارق، ونحن في مجال الدعوة إلى الله وإصلاح النفوس والمجتمعات مِن أشد الناس حاجة إلى هذا التخصص في مجالات الدعوة وما أكثرها.

والتخصص الذي أقصده: أن يكون الذي يعمل في الدعوة إلى الله محصِّلًا للعلم الواجب في كل فروع العلم ثم يتخصص في جانبٍ مِن الجوانب؛ يتخصص مثلًا في الفقه أو العقيدة تخصصًا يتيح له أن يتقن هذا الفن، ويكون نافعًا للأمة في هذا المجال، وكذا في كل النواحي الدعوية والإدارية والسياسية.

فلابد لمَن يتعاطى مع الإدارة والمسائل الإدارية مِن قدرٍ مِن الثقافة الإدارية التي ترتقي للعلم الإداري مع التخصص؛ لكي يستطيع أن يدير المؤسسات الدعوية بكفاءة وفاعلية دون أن يغفل العلم الواجب والنواحي الأخرى في توازنٍ مطلوبٍ في البناء لكي يعطي شخصية إسلامية سوية ثم متخصصة مثلًا في الإدارة بكفاءةٍ وفاعليةٍ، وكذا في أي مجالٍ دعوىٍ أو سياسيٍ لابد أن يحصِّل ما يلزمه مِن العلوم الشرعية ثم يتخصص في المجال الذي يحسنه وينتج فيه.

ولابد أن نعترف أن الواقع الدعوي قليلة -أو قُلْ شحيحة- فيه الكفاءات التي تتحمل المسئولية، ولكن هذا له أسباب أخرى قد نتناولها في مقالٍ آخر، لكن المهم أنها قليلة، وهذا ما يجعلها معبئة بالمشاغل والأعباء والأعمال.

وأن هناك شخصيات مميزة في أكثر مِن جانبٍ، وأكثر مِن مجالٍ يمكن أن يُعتمد عليها، ولكن هبْ أن هذه النوعيات -النادرة أصلًا!- تؤدي الأعمال كلها بنفس الكفاءة وهذا مستبعد، لكن نتنزل حتى نصل إلى نتيجة: أليس وجود شخصية متصدرة في أكثر مِن جانبٍ حبس للطاقات والإبداعات؟! هذا بالإضافة إلى أن الإنسان طاقة، وإذا تحمَّل أكثر مِن طاقته؛ فإن هذا يعرِّض الأعمال لخطر الإخفاق والفشل.

فالشخصية "السوبر مانية" نحترم مجهودها، ولكن لو كان هذا الجهد بُذل في مجالٍ واحدٍ؛ لوجدنا النتيجة مبهرة! فالتخصص سيعطينا إنتاجية أعلى في كل المجالات، وقدرة أكبر على الإبداع والتطوير، ودقة في النتائج.

وفي مجال الدعوة إلى الله بالذات: التخصص يساعد على إيجاد روح التكامل بيْن الدعاة، وليس التنافس المذموم الذي يؤدي إلى التحاسد والتباغض -والعياذ بالله-.

إننا في كل مرة نتكلم فيها على التخصص نعني أن يحصل ما يلزمه تحصيله مِن العلم النافع، وما يلزمه مِن المشاركة الواجبة في الدعوة إلى الله؛ فالذي يتخصص في طلب العلم النافع لا يصح أن يقول: أنا لا أشارك في عمل إداري أو سياسي! قد يكون الدور الذي يشغله ليس كبيرًا، لكن لابد مِن قدرٍ مِن المشاركة تجدد النشاط في القلب، وتشعر الإنسان بالصراع بيْن الحق والباطل.

فالتخصص لابد أن يكون ثقافة في العمل الدعوي والعلمي، ولابد أن تزداد قناعات الكل بهذه القضية المهمة في إنجاح الأعمال؛ خصوصًا مَن يظن أن المشاركة في كل شيء هو النجاح، فلابد مِن تصحيح المسار، وإعطاء مساحة أكبر للتخصص في حياتنا الدعوية.

أخيرًا: إن كنا نبحث عن مؤسسية حقيقية في أرض الواقع؛ فإن مِن دعائمها القوية: "التخصص".