تحذير المسلمين مِن خصال النفاق (2)

  • 181

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالمنافقون جُبِلوا على صفاتٍ ذميمةٍ, فلا يرون إلا السيئ, ولا يعرفون إلا القبيح, الشريف عندهم وضيع, والمعروف عندهم منكرًا, والصالح عندهم طالحًا, حاربوا الفضيلة, وعاشوا الرذيلة.

- فمِن صفاتهم أنهم: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة:10).

قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "هذا مرض في الدين وليس مرضًا في الأجساد".

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "مرض المنافقين: مرض شك وريب... ثم الشك والجهل والحيرة والضلال، وإرادة الغي وشهوة الفجور في القلب".

- ومِن صفاتهم أنهم: مفسدون في الأرض، ويزعمون أنهم مصلحون (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ . أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) (البقرة:11-12).

- ومِن صفاتهم أنهم: يتعالون على الناس، ويعتبرون الإيمان ضَربًا مِن السفاهة، لكنهم في حقيقة الأمر هم السفهاء: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة:13).

- وهم أصحاب مكرٍ سيئ، يتصفون بالخسّة واللؤم والجبن والخبث، ويتلوّنون حسب الظروف أمام المؤمنين متستّرين بالإيمان، وأمام أوليائهم مِن الكافرين يظهرون على حقيقتهم: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) (البقرة:14), فيكشف الله ضلالهم, ويظهر عدوانهم: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (البقرة:16).

عُمْيٌ بَصَائِرُهُمْ طُـمْسٌ مَشَاعِـرُهُمْ                  كَأَنَّهُمْ فِي  مَرَاعِي  وَهْـمِهِمْ  غَـنَمُ

فَالشَّرُّ  مَنْطِقُهُمْ  وَالغَدْرُ  شِيمَتُهُـمْ                   وَالخُـبْثُ  دَيْدَنُهُمْ  إِنَّ  العـَدُوَّ  هُـمُ

- يعاهدون الله على الالتزام وفعل الخيرات، ثم ينكصون ولا يلتزمون: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ . فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ . فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (التوبة:75-77).

- يتولّون الكافرين, ويتنكّرون للمؤمنين, زاعمين أنّ العزة عند الكافرين: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (النساء:139).

- يتربّصون بالمؤمنين, طالبين الغنيمة إن فازوا وانتصروا، ومنقلبين عليهم مع الكافرين إن كان الفوز للكافرين: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (النساء:141).

- يفرحون لما يصيب المؤمنين مِن سوءٍ ومحنة, ويحزنون لكل خيرٍ أو فرجٍ يمكن أن يحصل لأهل الإيمان: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) (آل عمران:120).

- ليس لهم عند الشدائد والمحن همٌّ إلا الإرجاف والتخويف وتثبيط العزائم؛ لأنهم كالسوس ينخر في صفوف المؤمنين، محاولين تحقيق ما لم يستطع العدوّ تحقيقه في الأمة، فيشقّون الصفوف، ويثيرون الفتنة، ويحاولون زعزعة المؤمنين: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (الأحزاب:12).

- فإذا وقعت المحنة والبلاء، تراهم أول الفارّين، وفي طليعة الخائفين، يولّون الأدبار، ويتوارون عن ساحات النزال: (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (الحشر:12).

- يتعاونون دائمًا في المدافعة عن الفواحش والمنكرات, ويحاربون المعروف والخيرات: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) (التوبة:67-68).

- لا ينصاعون لحكم الله؛ لأنه لا يوافق أهواءهم، ولا يحقق مآربهم، ولا يستجيب لنزواتهم, فيصدّون عنه ويحاربونه، ليتحاكموا إلى الطاغوت: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) (النساء:60-61).