رمضان وهدفنا الأول!

  • 183

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا شك أن شهر رمضان مِن نعم الله -تعالى- على عباده المؤمنين، فهو مثابة الهدية والعطية والمنحة مِن الله -تعالى- لعباده، وها هي الأيام والشهور تمضي وتمر، وها هو رمضان يقترب قدومه، يقترب حاملاً معه بشريات ورحمات وبركات، ما بيْن مغفرة للذنوب، وعتق مِن النار، ورفع للدرجات ومضاعفة للحسنات، ها هو رمضان قد أتى ليحمل لنا جميعًا رسالة العودة إلى الله، مُحملة بمعاني الرحمة الواسعة، والأمن مِن الخوف، والإقبال على الله بكل حب واشتياق، ورجاء ما عنده مِن الرحمات (أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) (القصص:31).

فيا لفرحتنا، ويا لسعادتنا ببلوغنا رمضان! مليار ونصف مِن المسلمين يتسابقون في شهر رمضان، ويتنافسون فيما بينهم؛ الكل يتمنى أن يَحظى بالفوز في هذا السباق، الكل يتمنى أن يحقق الأهداف المنشودة والمرجوة في شهر رمضان، علمًا بأن السباق سريع جدًّا، فهو عبارة عن أيامٍ معدوداتٍ، إنها فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة كل عام، وما يدرينا أين سنكون في العام القادم!

فهيا بنا نُحسن الاستفادة مِن هذه المنحة والعطية، هيا نتسابق في فعل الخيرات، ولكن لابد أولًا أن نحدد أهدافنا في سباق رمضان، لابد أن نضع خطة ونسعى جاهدين لتحقيقها، حتى نكون مِن الفائزين في رمضان بمشيئة الله -تعالى-، إذن لابد أولًا مِن تحقيق الأهداف.

ومِن أهم الأهداف التي نسعى إليها: أن نصل إلى أعلى مرتبة مِن مراتب التقوى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

لقد حدد لنا القرآن الكريم هذا الهدف في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183).  

فهذا هو الهدف الأول: "تحصيل التقوى": فهي الغاية الكبرى، والهدف الأسمى مِن مشروعية الصوم، والتقوى هي: "أن تعمل بطاعة الله على نورٍ مِن الله، ترجو ثواب الله، وأن تجتنب معصية الله على نورٍ مِن الله تخاف عقاب الله".

وقيل هي: "الخوف مِن الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل"، فلا بد مِن تحقيق هذه الغاية والوصول إلى أعلى مقامات التقوى بالوسائل المشروعة مِن الالتزام بآداب الصوم، وتجنب كل ما يعرضه للفساد، والإكثار مِن العمل الصالح.

قال العلامة ابن باز -رحمه الله-: "التَّقوى حقيقتها: امتثال أوامر الله، واجتناب نواهي الله، التقوى أن يجعل العبدُ بينهُ وبيْن عذاب الله وِقايةً بفعل الأوامِر، واجتناب النواهي، قال -تعالى-: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس:62-63)، فآمنت قلوبهم، فثبت فيها الإيمان، ونطقت الألسن، وانطلقت الجوارح تعمل على وفق ما دلّ الكتاب والسُّنة عليه، فالمتقي لله، الخائف مِن الله، المتقي لله: مَن يعلمَ أن الله يعلم سرِّه وعلانيته، فيُصلح ما بينه وبيْن ربه.

المتقي لله مِن عملهُ دءوبًا رآهُ الناس أم غابوا عنه؛ لأن تعامله مع ربه -جل وعلا-، المتقي لله مَن يتورَّع عن الحرام، المتقي لله مَن يترك الحرام بعد قدرته عليه خوفًا مِن الله: (ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم:14)، المتقي لله هو السائر على الطريق المستقيم في أحواله كلها، يُراقب الله ويخافه، ويعلمُ أن الله ملطع عليه، وعالمٌ بسرِّه وعلانيته، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14)" (انتهى).