حتى نفوز برمضان (10)

  • 102

رمضان... وتأثير القرآن الكريم في النفوس (2)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال الله -عز وجل-: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق:٤٥).

فالقرآن الكريم يربطنا بالآخرة ويبقيها ماثلة أمام أعيننا؛ يذكّرنا بجزاء المتعدِّين لحدود الله -تعالى-، ويصوِّر لنا مشاهد الأمم التي كانت عاقبتها الهلاك، وكذلك يذكّرنا بأصحاب البُشريات العظيمة، ويصب في قلوبنا ووعينا ما أعده الله -تعالى- لهم مِن عظيم إنعامه وإحسانه مما لا عين رأت، ولا خطر علي قلب بشر مِن نعيم الجنة، وبالرغم مِن ذلك؛ فإن (الآخرة) أبعد ما تكون عن أذهاننا؛ بسبب هجرنا لكتاب ربنا -تعالى-! مع أن القرآن الكريم هو أهم وسائل وأسباب ترسيخ الإيمان في القلب ودوام يقظته.

ولقد كانت السورة الواحدة مِن سوره القِصار -مع قلة عدد كلماتها- كافية لاستقامة النفس والجوارح على ما يحبه الله -تعالى- ويرضاه، بل ملء القلب بالتعلق بالله -تعالى-؛ فعلي سبيل المثال لا الحصر:

سورة الزلزلة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: (اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَوَاتِ الر)، فَقَالَ: كَبُرَتْ سِنِّي، وَاشْتَدَّ قَلْبِي، وَغَلُظَ لِسَانِي، قَالَ: (فَاقْرَأْ ثَلَاثًا مِنْ ذَوَاتِ حَم)، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ: (اقْرَأْ ثَلَاثًا مِنَ المُسَبِّحَاتِ)، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْرِئْنِي سُورَةً جَامِعَةً، فَأَقْرَأَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ... ) حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا أَبَدًا، ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ) مَرَّتَيْنِ. (رواه أبو داود، وصححه الحافظ ابن حجر والشيخ أحمد شاكر).  

فإذا كان هذا هو تأثير سورة الزلزلة المكونة مِن ثمانِ آيات، وكلماتها لا تتعدي خمسة وثلاثين كلمة؛ فما بال مَن تتوفر لهم الأداة لقراءة القرآن الكريم كاملاً، ويتوفَّر لهم مِن النشاط والقوة ما يمكِّنهم مِن إعادة قراءته مرةً تلْوَ المرة، وسماعه في كل حين، ولا تتأثر قلوبهم ولا تتحرك لمعانيه السامية؟!

وهذه سورة الكهف التي يصدح بها المسلون كل جمعة، كانت تهز قلب خيل يسمعها هزّا مِن قارئ يتلوها بقلبه قبْل قراءة لسانه وعينه، فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: (تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ) (متفق عليه).

نسأل الله -عز وجل- أن يجعل القرآن الكريم نورًا لعقولنا وبصيرتنا وأبصارنا. اللهم آمين.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.