حتى نفور برمضان (11)

  • 116

رمضان... لاستجلاب عبادة حب الله -تعالى-

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قَالَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-... كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي) (رواه البخاري).

هذا الجزء مِن الحديث الشريف الصحيح يدلنا على عبادة مِن أجلّ واهم العبادات القلبية التي ينبغي أن تسبق أي عبادة عملية أو قولية، وهي عبادة حب الله -تعالى-، والإقبال على أمره؛ محبة له -جلَّ جلاله-.

لذلك قال -تعالى-: (يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي): أي محبةً لله -تعالى-، وفي سبيل رضاه -جل جلاله-.

ويتربى القلب في رمضان بإقباله على ربه -جل جلاله- في سائر أوقاته تاركًا فتن الدنيا وشهواتها وهوى نفسه، مقدمًا على ذلك كل ما هو فيه مرضاة مولاه -سبحانه- على ما فيه رضا نفسه أو إشباع رغباته إن تعارض ذلك مع ما يرضي الله -عز وجل-؛ بذلك الحب المخلص يتحقق صِدق الإيمان وكماله كما في الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (متفق عليه).

الطريق إلى الله -تعالى- يُقطع بالقلوب وليس بالأعمال فحسب؛ فلربما يعمل العبد أعمالًا كالجبال في الموازين، ولكنها في ميزان الله -تعالى- لا تساوي إلا صفرًا! ويكون ذلك بسبب غياب إخبات القلب لمولاه -جلَّ جلاله-، ولربما كانت نية القلب أخلص وعزيمته في الطريق لله -تعالى- أصدق، مع قليلٍ مِن العمل والتعبد، ثم يكن بهذا الصدق مع قلة العمل مِن أهل الفوز والنجاة.

وعن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ أَعْرَابِيًّا، قَالَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)، قَالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) (متفق عليه).

ولأهمية عبادة الحب لله -تعالى- وأنه أساس الإقبال على طاعاته ومرضاته؛ نجد أن الله -تعالى- علمّ رسوله -صلى الله عليه وسلم- الدعاء والابتهال إليه -جلَّ جلاله- لملء قلبه بهذا الحب، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمَنَامِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ, إِذَا صَلَّيْتَ فَقُلْ: ... أَسْأَلُكَ حُبَّكَ, وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ, وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). وروي عن أبي الدرداءِ -رضي الله عنه- قَال: قَالَ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ مِنْ دُعاءِ دَاوُدَ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أحَبَّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي وأهْلِي، وَمِنَ الماءِ البارِدِ" (رواه الترمذي، وضعفه الألباني).

نسأل الله -عز وجل- أن يملأ قلوبنا بمحبته ومحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. اللهم آمين.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.