حتى نفوز برمضان (13)

  • 138

رمضان... لاستعادة عبادة المراقبة لله -تعالى-

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) (رواه مسلم).

مرة أخرى مع هذا الحديث الصحيح المبارك.

ما السر في قوله -تعالى-: (إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) في حين أن كل العبادات والقربات هي لله -تعالى- وحده، ولا يجزي أو يثيب عليها إلا هو -سبحانه وتعالى-.

السر هو: أن سائر العبادات مهما كانت يمكن أن يطلع عليها البشر، ومِن الصعب إخفائها عنهم بشكلٍ حقيقي وعملي؛ إلا عبادة الصوم، هي العبادة الوحيدة -تقريبًا- التي يمكن إخفائها عن أقرب الناس إليك، وتتحجج بعدم تناولك لأي طعام أو شراب بأي حجج وتكون مقبولة، وتكون نيتك حينئذٍ الصيام، ولا يطلع على هذه النية إلا الله -جل جلاله-.

وفي المقابل: مِن اليسير على البعض -عياذًا بالله تعالى- الإفطار سرًّا، وادعاء الصوم!

الفارق: عبادة المراقبة لله -جل جلاله-

هذه العبادة الهامة التي نحتاج لاستعادتها لقلوبنا في غير رمضان، وهي دوام عِلم العبد وتيقنه باطلاع الله -تعالى- على كل ما يصدر منه, وما تُخفِيه نفسه في كل وقتٍ وكل لحظةٍ؛ فما مِن كلمةٍ، ولا فعل في الخفاء أو في العلن إلا وهو تحت سمع وبصر مَن لا تخفى عليه خافية في الكون كله -جل جلاله-، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق:16)، وقال الله -جلَّ جلاله-: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام:59)، وقال -سبحانه-: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:13-14)، وقبلها مدح الله -تعالى- مَن دامت مراقبتهم لله -تعالى- في السر قبْل العلانية، وجعل لهم أجرًا جزيلًا عظيمًا، فقال -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (الملك:12).

فالعبد يعلم يقينًا أن ما يجول بخاطره، وما يخفيه عن الخلق؛ فإنه لا يخفى شيء مِن ذلك على رب العالمين، قال الله -عز وجل-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر:19).

وهذا هو مقام الإحسان الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل -عليه السلام-، فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّ جبريل -عليه السلام- سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الإحسان؟ فقال: (أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ) (متفق عليه).

نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا دائمي مراقبته وخشيته. اللهم آمين.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.