حتى نفوز برمضان (15)

  • 139

رمضان... شهر القيام

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وهكذا المؤمن الراغب في الفوز ببركات رمضان، ونفحاته وفضائله؛ فنهاره صيام، وليله قيام بيْن يدي الرحمن -جلَّ جلاله-.

والحديث الشريف فيه البُشرى العظيمة مِن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهل الصيام، والقيام الحقيقي المخلص لله -تعالى- كما كان هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه مِن طول قيام، وكثرة تسبيح في الركوع، والإلحاح والافتقار لله -تعالى- في السجود، وحُسن تبتل لله -عز وجل-؛ فحري بصاحب هذا القيام أن يفوز بالجائزة، وهي مغفرة كل الذنوب السابقة، وخاصة مَن صلى قيامه مع الجماعة في بيوت الله -تعالى- إذ كانت صلاة التراويح في الأصل في المسجد؛ إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستمر عليها خشية أن تصير صلاة مفروضة على الأمة فتعجز عن أدائها.

فعن عَائِشَة -رضي الله عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، فَقَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَأْنُكُمُ اللَّيْلَةَ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا) (متفق عليه).

ومع ذلك، فقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بشرى وجائزة أخرى لمَن صلى القيام في جماعة والتزمها حتى ينصرف الإمام مِن صلاته، ولا ينصرف القائم قبْل انصراف الإمام، وهي أن يكتب الله -تعالى- له قيام الليلة كلها، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا ممَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، اللهم آمين.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.