مجاهدة النفس بكثرة السجود (13)

  • 270

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

سجود الشكر:

ذهب جمهور العلماء إلى استحباب سجدة الشكر لمَن تجددت له نعمة أسعدته أو صُرفت عنه نقمة أهمته، فعن أبي بكرة -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ بُشِّرَ بِهِ، خَرَّ سَاجِدًا، شُكْرًا لِلَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-" (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).

وعن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَوَجَّهَ نَحْوَ صَدَقَتِهِ فَاتَّبَعْتُهُ فَدَخَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ, فَخَرَّ سَاجِدًا, فَأَطَالَ السُّجُودَ, حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ -عز وجل- قَدْ قَبَضَ نَفْسَهُ فِيهَا، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَجَلَسْتُ فَرَفَعَ رَأسَهُ فَقَالَ: (مَنْ هَذَا؟) قُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ, قَالَ: مَا شَأنُكَ؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ سَجَدْتَ سَجْدَةً خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ اللهُ -عز وجل- قَدْ قَبَضَ نَفْسَكَ فِيهَا! فَقَالَ: (إِنَّ جِبْرِيلَ -عليه السلام- أَتَانِي فَبَشَّرَنِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ -عز وجل- يَقُولُ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ, وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ, فَسَجَدْتُ للهِ -عز وجل- شُكْرًا) (رواه أحمد، وحسنه الألباني)

وعن أبي بكر -رضي الله عنه- أنه سجد حين جاءه خبر قتل مسيلمة الكذاب (رواه سعيد بن منصور). وسجد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين وجد ذا الثنية في قتلى الخوارج (رواه أحمد في مسنده). وسجد كعب بن مالك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بشر بتوبة الله عليه، وقصته متفق عليها.

وكره مالك سجود الشكر، وهي رواية عن أبي حنيفة، والرواية الأخرى عنه أنه مباح؛ لأنه لم يُؤثر عنه -صلى الله عليه وسلم- عندهما مع تواتر النعم عليه -صلى الله عليه وسلم-.

قال الشوكاني -رحمه الله- في نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار بعد ذكر الأحاديث الواردة في سجود الشكر: "وإنكار ورود سجود الشكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن مثل هذين الإمامين، مع وروده عنه -صلى الله عليه وسلم- مِن هذه الطرق التي ذكرها المصنف -وذكرناها- مِن الغرائب!".

سجود السهو:

مِن فضائل السجود التي ليستْ لغيره أنه يجبر -دون غيره- خطأ السهو في الصلاة أو الشك في عدد ركعاتها، فلا يضيع على المصلي ثواب صلاته بخطأ السهو أو الشك فيها، مع ما في ذلك مِن إرغام للشيطان الذي يسعى دائمًا لإفساد صلاة العبد.

وسجود السهو سجدتان يسجدهما المصلي آخر صلاته التي سها فيها أو شك، والأفضل متابعة الوارد في ذلك فيسجد قبْل التسليم فيما جاء فيه السجود قبله، ويسجد بعد التسليم فيما ورد فيه السجود بعده، ويخير فيما عدا ذلك.

والأحاديث في ذلك عديدة، منها: حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعًا: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَان) (رواه مسلم). وعن ابن مسعود -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟) قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. (متفق عليه).

وعَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ سَلَّمَ" (متفق عليه). وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: (إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) (رواه مسلم).