مسارات علو الهمة لنعود كما كنا خير أمة (2)

  • 200

منازل الإيمان (منزلة المحبة)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

كيف نتعلم المحبة؟!

الأسباب الجالبة والموجبة للمحبة:

(1) قراءة القرآن على الدوام بتدبرٍ وتفهم، ويقظة قلب وفكر.

(2) التقرب إلى الله بالفرائض والمداومة على النوافل، فأداء الفرائض يدل على حب العبد لربه.

(3) الاتباع والتأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران:31)، وأداء العبد للنوافل ومواظبته عليها يدل على حب الرب لعبده.

(4) دوام ذكر الله على كل حالٍ؛ لقول الله: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة:152)، وقوله: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال:45)، وقدر المحبة على قدر مقام العبد مِن الذكر لله -عز وجل-.

(5) إيثار محبة الله على كل المحاب وإن صعب المرتقى.

(6) مطالعة الأسماء والصفات والتعبد بها؛ فإنه مَن عرف الله أحبه ولابد.

(7) مشاهدة ومطالعة المنن والبر والإحسان والنعم مِن الله -عز وجل- على خلقه.

(8) الانكسار والافتقار والذل بين يدي الله -عز وجل-.

(9) الخلوة مع الله في جوف الليل وختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

(10) مجالسة المحبين الصادقين.

(11) البُعد عن كل سبب يحول بيْن القلب وبيْن الله -عز وجل-.

(12) كراهية العود إلى الذنب، ويقوى ذلك بالشوق إلى الطاعة ومحبتها، والمواظبة عليها.

(13) إن تعذر فعل الطاعات والنوافل في وقتها فيجب أداؤها عند القدرة عليها؛ وذلك لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في أداء حزبه مِن القرآن إذا نام عليه بالليل أن يؤديه بالنهار لينال العبد أجر المواظبة والدوام على الطاعة، ويؤجر عليها عند عجزه لمرضٍ أو سفرٍ، بل قالوا: يجري أجره عليه بعد موته.

الحذر الحذر مِن الند والسوى والشريك مع الله -عز وجل- في المحبة والتعظيم، قال -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) (البقرة:165)، وقال -تعالى-: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:97-98)، وقال الله -تعالى-: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام:1).  

أخبر الله -تعالى- فيمَن اتخذ مِن دون الله أندادًا؛ فهذا ند في المحبة لا في الخلق والربوبية، فإن أكثر أهل الأرض قد اتخذوا مِن دون الله أندادًا في الحب والتعظيم، ولكن أهل الإيمان أهل المحبة (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (البقرة:165)؛ محبتهم تامة خالصة صافية بخلاف غيرهم.

وكذلك التسوية تسوية الله عند المشركين بآلهتهم لم يسووهم برب العالمين بالخلق والربوبية، بل سووهم في المحبة والتعظيم، وكذلك العدل كما في الآية الثالثة، أي يعدلون به غيره في العبادة وهي المحبة والتعظيم.          

ومِن هذا المنطلق: نصل إلى سرِّ الوصول إلى الحياة على مذاق الإيمان ووجود حلاوته وطعمه الذي يدفع بالعبد إلى المعالي في كل مسارات الإيمان لنعود كما كنا خير أمة، وإلى بناء رجال يصدقون فيما عاهدوا الله عليه كما في الحديث: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (متفق عليه).

(1) (مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَاِ)؛ فلا ند، ولا عدل، ولا شريك لله -عز وجل-، وكذلك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في التأسي والاتباع، وتؤكد الآية هذا المعني في قوله -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ) (آل عمران:31)، أي تقيموا فرائضه، وأولى الفرائض: توحيد الله -عز وجل-: (فَاتَّبِعُونِي) أي تكملوا في التأسي دون بدعٍ (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).

(2) (وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّه) وذلك إذا كمل الإيمان وعاش صاحبه على الولاء والبراء لله -عز وجل- دون ندٍّ أو سوى أو شريك؛ إلا إرادة وجه الله والجنة، فإن بذلك ينال محبة الله -عز وجل- ومغفرته.  

(3) (وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)، وهذا مِن أصعب الأعمال على النفوس والقلوب؛ إلا إذا كمل الإيمان وصفا مِن العدل والشريك والسوى، وفي ترك الحرام وكره الكفر ما يعين على فعل الطاعات وحب الإيمان، ومحبة القرآن ومحبة تلاوته، ولا سيما آيات الأسماء والصفات؛ فذلك مما يجلب محبة الرحمن -عز وجل-.

والقرآن والسُّنة مملوءان بذكر مَن يحبه الله -سبحانه- مِن عباده المؤمنين، وذكر ما يحبه مِن أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم.

نسأل الله أن يرزقنا حبه وحب مَن يحبه، وحب كل عمل يقربنا إلى حبه.

وصلى الله وسلم وبارك على محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.