عاجل

أمثال القرآن

  • 255

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛     

فلا شك أن مِن أعظم العلوم علم القرآن الكريم، والمحروم حقًّا مَن يُحرم فهم القرآن، قال -تعالى-: (سَأَصرِفُ عَن آياتِيَ الَّذينَ يَتَكَبَّرونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَإِن يَرَوا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤمِنوا بِها وَإِن يَرَوا سَبيلَ الرُّشدِ لا يَتَّخِذوهُ سَبيلًا وَإِن يَرَوا سَبيلَ الغَيِّ يَتَّخِذوهُ سَبيلًا) (الأعراف:146).

قال سفيان بن عيينة: "ومعناه أحرمهم فهم القرآن".

وقال ذو النون المصري: "أبى الله أن يُكرم قلوب البطالين بمكنون حكمة القرآن".

وقال سفيان الثوري: "لا يجتمع فهم القرآن والاشتغال بحطام الدنيا في قلب مؤمن أبدًا".

ومِن أعظم علوم القرآن: علم أمثاله، فقد ضرب الله -تعالى- الأمثال في القرآن بالصغير والكبير، فيضرب المثل بالذبابة أو البعوضة كما في قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (البقرة:26)، وقوله -تعالى-: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) (العنكبوت:43)؛ ليدلل بذلك على عظمته لمَن أطلق النظر لفهم هذا المثل مع الصغر المتناهي للممثل به؛ ليميز أهل الإيمان والتصديق عن أهل الضلال والكفر.

قال الماوردي: "الناس في غفلة لاشتغالهم بالأمثال وإغفالهم الممثلات".

وكان أحد السلف يقول: "إذا سمعتَ المثل في القرآن فلم أفهمه بكيتُ على نفسي؛ لأن الله -تعالى- يقول: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ).

وقد أكثر الله -تعالى- ذكر الأمثال في القرآن؛ لأنها ابلغ في الوعظ، وأقوى في الحجة، وأقوم في الإقناع، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (الزمر:27).

قال ابن عاشور: "إن الأمثال تنبِّه على بلاغة القرآن في بابها".

وقال: "وخصت أمثال القرآن بالذكر مِن بيْن مزايا القرآن؛ لأجل لفت بصائرهم للتدبر في ناحيةٍ عظيمةٍ مِن نواحي إعجازه، وهي بلاغة أمثاله، فإن بلغاءهم كانوا يتنافسون في جودة الأمثال وإصابتها المحز مِن تشبيه الحالة بالحالة" (انتهى).

وقد ذكر ابن عاشور عند قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) (الإسراء:89): "لما تحدى الله بلغاء المشركين بالإعجاز تطاول عليهم بذكر فضائل القرآن على ما سواه مِن الكلام، مدمجًا في ذلك النعي عليهم إذ حَرَمُوا أنفسهم الانتفاع بما في القرآن مِن كل مثلٍ، وذكرت هنا ناحية مِن نواحي إعجازه، وهي ما اشتمل عليه مِن أنواع الأمثال" (انتهى).

والله مِن وراء القصد.