(إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) (1)

  • 162

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأعوذ بالله مِن الشيطان الرجيم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء:58)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال:27).  

بعض مِن الناس الطيبين تجدهم يصلون، ولكنهم يتساهلون في سداد الدين واعطاء الحقوق إلى أهلها، فهؤلاء فيهم شبه مِن اليهود الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ويقولون ليس علينا في الأميين سبيل.

ويُعد هذا مِن الأمور التي عمَّت بها البلوى في زماننا الحاضر، وخاصة بعد السياسات الأخيرة في النظام الاقتصادي القائم على إغراق أصحاب الدخول البسيطة بالديون والقروض الربوية ذات العائد المنخفض مما يشجعهم على الاقتراض والدخول في دوامة عدم القدرة على الوفاء.

فيجب عليكم أن تتقوا الله -عزَّ وجلَّ- في أنفسكم بأن تجتنبوا توريطها في التساهل وعدم المبالاة في الاستدانة مِن الآخَرين والسَّلف وسداد الديون؛ فإنَّ حقوق العباد مالية كانت أو غير مالية لَمِن أغلظ الحقوق التي يُحاسَب ويُعاقب عليها المسلم ذكرًا كان أو أنثى، وإنَّ مَن مات وفي ذِمَّته مظلَمةٌ وحقّ لأحدٍ اقتُصَّ مِنه يوم القيامة عن طريق حسناته وسيئات خُصومه.

مَن استدان مِنكم واقترض وتسلَّف فليكن لحاجةٍ أو ضرورةٍ، أو نفعٍ، وليس لأجل تَبسُّطٍ وزيادة تَنعُّمٍ وترَف، وتَوسُّع في الكماليات، وسفرياتِ نُزهة قلَّ أنْ تخلو عن محرَّمات قولية أو فعلية أو بصَرية، ولتكن الاستدانة بقدْرٍ معقول يتناسب مع دخله المالي، أو أُجْرة وظيفته، وحاجياته المهمة، حتى لا يُثقِل ذِمَّته بديون يَعجز عن سدادها، أو يتسبَّبَ في التضييق على معيشةِ مَن أحسن إليه فأقرَضه، واعلموا أنَّ شَغل الذِّمة بالاستدانة والسَّلف مِن الناس أفردًا أو مؤسسات أو حكومة ليس بالأمر الهيِّن.

وإنَّ للمدِين المقترض مِن غيره حالين:

الحال الأوَّل: أنْ يكون المَدِين المُقترِض عازمًا على سداد الدَّين، وعنده الحرص على ذلك، فهذا سَيجعل الله له فرجًا ومخرجًا، إمَّا بإعانته على السداد، أو بتيسير مَن يُسدِّد عنه مِن قريب أو غيره، أو بمسامحة غريمه، أو بتحمُّل الدولة لدينه وإسقاطه عنه، أو يَقضي الله عنه يوم القيامة، ويُرضِّى عنه غريمه، لِمَا صحَّ عن النبي -صلى الله علية وسلم- أنَّه قال: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) (رواه البخاري).

الحال الثاني: أنْ يَستدين وهو عازم على عدم السداد والوفاء، فهذا آثمٌ، وسارق، ومُتوَعَّد بوعيد شديد، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ).

ومعنى: (أَتْلَفَهُ اللَّهُ) أي: عاقبه بالإتلاف في الدنيا في معاشه أو نفسه، وفي الآخرة بالعقوبة.

ومِن أسباب المماطلة: عدم الخوف مِن الله، والأمن مِن العقوبة في الدنيا؛ لعدم كتابة الدين أو توقيعه على ما يضمن الوفاء أو بسبب بطء إجراءات التقاضي أو شهود الزور أو التزوير في المستندات، وغير ذلك مما يأمن معه المماطِل العقوبة الدنيوية.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.