إعادة بناء القوات الجوية (ذروة التحدي بعد هزيمة 1967م)

  • 190

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تسببت الضربة الجوية الشاملة المفاجئة التي قام بها سلاح الطيران الإسرائيلي صبيحة يوم الاثنين 5 يونيو 1967م على المطارات والقواعد الجوية المصرية في إصابة نحو 80% مِن الطائرات المصرية، والتي كان كثير منها رابضًا على الأرض، ومنها ما كان بداخلها طياريها؛ مما أعطى السيادة الجوية للطيران الإسرائيلي بعدها، ومكَّن القوات البرية الإسرائيلية مِن احتلال سيناء في ظل حالة الارتباك والفوضى التي عمَّت وحدات الجيش المصري التي وجدت نفسها بدون غطاءٍ جوي في مواجهة القوات البرية الإسرائيلية المدعومة جوًّا، خاصة بعد صدور قرار الانسحاب مِن سيناء، والذي تم تنفيذه بصورةٍ غير منظمة، ترتب عليها خسائر فادحة في الأفراد والمعدات التي كانت مكشوفة تمامًا للعدو الجوي.

جاءت نتائج الضربة الجوية وأيام الحرب الستة في يونيو 1967م فظيعة للغاية؛ إذ كانت الخسائر كبيرة خاصة في سلاح الطيران المصري، خسائر فادحة فاقتْ ما كان العدو يتوقعه أو يأمله؛ لذا بات مِن المؤكد عند الكثيرين -كما صرَّح بذلك قادة إسرائيل العسكريون وكبار الخبراء العالميون- أن السيادة الجوية في المنطقة باتت للطيران الإسرائيلي، والتي باتت ذراعه الطويلة تستطيع الوصول إلى أي هدفٍ أو غرضٍ تريد الوصول إليه داخل الدول العربية بلا مقاومةٍ تقدر على منعه، وأن استعادة سلاح الطيران المصري لعافيته تحتاج لسنواتٍ طويلةٍ لا تقل عن عشر سنوات، تكون اليد العليا فيها مطلقة للجيش الإسرائيلي.

وتمادى "موشى ديان" وقتها في غروره وصلفه، فقال في أحد تصريحاته للصحفيين: "إنه يجلس بجوار التليفون ينتظر اتصال العرب به ليملي عليهم شروط إسرائيل على العرب؛ لإنهاء حالة الحرب في المنطقة!".

كانت استعادة القوات الجوية المصرية لعافيتها، وقدرتها على التصدي مِن جديدٍ للطيران الإسرائيلي، ثم قيامها بتوجيه الضربة الجوية المفاجئة في حرب 6 أكتوبر 1973م التي مهدت للنصر الكبير ملحمة عظيمة، تعد بحق ذروة المقاومة والتحدي للعدو، وتعبير بليغ عن قدرة الشعب المصري على الصمود والتحمل، ملحمة سلاح مهزوم تحول مِن حالة هزيمة قاسية بضربة مفاجئة في 1967م أفقدته معظم قدراته إلى سلاحٍ منتصرٍ انتصارًا رائعًا؛ حققه بضربة مفاجئة للعدو في 1973م أفقدت العدو تركيزه.

كيف تم ذلك في نحو 6 سنوات فقط؟!

هذا ما سنحاول أن نشير إليه في عجالة.

نظرة على حرب يونيو 1967م:

خططت إسرائيل خاصة بعد حرب 1956م لبناء سلاح طيران قوي، واستفادت مِن دروس هذه الحرب، إذ نفذت في ضربتها الجوية نفس الطريقة التي هاجمت بها الطائرات الإنجليزية والفرنسية مصر عام 1956م بالدخول مِن غرب مدينة بورسعيد وشرق دمياط -حيث بحيرة المنزلة التي تغطي مساحة كبيرة مِن شمال الدلتا، وتعد ثغرة طبيعية في حزام الأمن المصري- لضرب المطارات والقواعد الجوية والأهداف الحيوية المصرية، وكانت المعركة بيْن سلاح الطيران المصري والطائرات الإنجليزية والفرنسية معركة غير متكافئة؛ لذا قررت القيادة المصرية في عام 1956م عدم دخول الطيارين المصريين في اشتباكات غير متكافئة مع طائرات العدو ستؤدي حتمًا إلى فقد مصر لسلاح الطيران بدون نتيجة تذكر.

وتم الاكتفاء وقتها بتصدي قوات المدفعية المصرية المضادة للطائرات لطائرات العدو، وبالفعل أبلت قوات المدفعية بلاءً حسنًا في حدود قدراتها وخبراتها، فقد كان أفرادها بمعداتهم ممَن تصدوا للطائرات الألمانية في غاراتها على مصر خلال الحرب العالمية الثانية، ورغم أن معداتهم كانت قليلة ومتخلفة نسبيًّا أمام طيران العدو، لكن كفاءتهم وتطويرهم لأساليب استخدام النيران عوضت هذا القصور؛ فكان لهذه المدفعية دور كبير في حرب 1956م في منع طيران العدو مِن إصابة الأهداف العسكرية والحيوية والاقتصادية في عمق مصر، خاصة وأن طائرات العدو كانت تطير في ارتفاعات تقليدية -غير منخفضة- ونوعياتها ليس لها -وقتها- قدرات كبيرة على المناورة.

أما في يونيو 1967م:

فكان سلاح الطيران الإسرائيلي يماثِل تقريبًا قوة سلاح الطيران المصري، ولكنه كان مدربًا تدريبًا عاليًا، ولديه نوعية مِن الطائرات التي تملك القدرة على التحكم في الطيران المنخفض، والتي تعجز الرادارات المصرية وقتها عن رصد طيرانها المنخفض، وبالتالي عدم سرعة الإبلاغ عنها والتحذير منها، كما أن فيها طائرات حديثة لها سرعات كبيرة وقدرة عالية على المناورة.

لم تستفد مصر مِن دروس حرب 1956م، فلم تطور معدات المدفعية المضادة للطائرات لتتعامل بقوة مع طيران العدو بطائراته المتطورة عن حرب 1956م، ولم تطور نفسها بصواريخ دفاع جوي تناسِب ما عند العدو مِن قدراتٍ جوية، ولم تطور وتنوع وسائل الإنذار مِن رادارات ووسائل إنذار مبكر جيدة تناسِب العدو المتاخم لها رغم قربه منها، ورغم اتساع السواحل المصرية على البحر الأبيض المتوسط مِن سيناء إلى شمال الدلتا وسواحلها على طول البحر الأحمر، فكان التركيز على الجهة الشرقية مِن قناة السويس، وتركت ثغرات كبيرة وخطيرة خارجها.

لم تكن القيادة العسكرية المصرية في يونيو 1967م على قدر المسئولية الملقاة على عاتقها لمواجهة إسرائيل، فلم تطور نفسها ولم تتعلم مِن دروس حرب 1956م، ولم تتعامل التعامل المطلوب مع التطور الكبير الذي شهدته صناعة الطائرات الغربية في الفترة بيْن حربي 1956م و1967م، ولم تقدر إمكانيات العدو وقدراته وهو يتربص بها، فلم تعد نفسها جيدًا لمواجهته، والتغلب عليه.

ولعل مِن أكبر أسباب ذلك: عدم التجديد في القيادات العسكرية المصرية، وبقاء القيادات في مناصبها لسنواتٍ طويلة دون تجديدٍ، وبالتالي تجميد المناصب وتجميد ما تحت يدها مِن قوات، مع العمل بمبدأ تقديم أهل الثقة مِن القيادات على أهل الخبرة والكفاءة! ليتولى القيادة أفراد ليسوا أهلًا لتولي مسؤوليتها؛ فلم يطوروا أو يجاروا الابتكارات الخلاقة في فنون القتال وعلومه، وظهرت منهم وقت الحرب أخطاء لا يتردى فيها أي دارس لأولويات العسكرية الإستراتيجية المتطورة.

ولم تكن القيادة السياسية المصرية أيضًا على قدر المسؤولية في حرب يونيو 1967م، وهي تتردد في وضع الجيش المصري بيْن حالة الهجوم وحالة الدفاع، فمِن استدعاء قوات مصرية مِن اليمن في استعراض إعلامي مكشوف للعالم بأسره ومنهم العدو، وحشد القوات في سيناء بمئات الألوف مدعمة بالأسلحة الثقيلة استعدادًا للحرب، وإصدار الأوامر بالإعداد للهجوم، ثم التريث والانتظار تلبية لرغبة وضغط الدولتين الكبار -أمريكا وروسيا- في عدم بدء أحد الطرفين -مصر وإسرائيل- بالقتال بعد كل هذا الحشد، وبعد كل التصريحات النارية بالقدرة على الحرب وعلى الانتصار فيها، لتترك القيادة السياسية جيشها محتارًا بيْن اتخاذ وضع الهجوم المتحفز للحرب والقتال أو وضع الدفاع المتريث المنتظر، ولكل وضع منهما متطلبات تختلف تمامًا عن الآخر، بل تصور المصريون أن أمامهم أيامًا عديدة لمباحثات وتدخلات سياسية قبْل الشروع في حرب، فجاءت فترة مِن الاسترخاء على الجبهة في انتظار ما ستسفر عنه الأيام.

وانتهزت إسرائيل هذه الفرصة الذهبية، ونفذت ضربتها الجوية الشاملة المفاجئة، ونجحت فيها نجاحا كبيرًا؛ فاتبعت خطة إنجلترا وفرنسا في دخول عمق مصر مِن جهة بحيرة المنزلة -غرب بورسعيد وشرق دمياط- على ارتفاعاتٍ منخفضةٍ تعلم أن الرادارات المصرية بالحالة التي هي عليها لن ترصدها، لتضرب في لحظات كل المطارات والقواعد الجوية المصرية القريبة في القناة والدلتا والقاهرة، ولتضرب في دقائق المطارات البعيدة في المنصورة وبني سويف، وهي مطارات وقواعد لم تكن بالعدد الكبير، وكانت معروفة بتفاصيلها جيدًا للعدو؛ إذ لم تشهد أي تطوراتٍ كبيرةٍ مِن بعد الحرب العالمية الثانية وحرب 1956م؛ فلما تبنَ مطارات جديدة سرية، أو تغير معالم القديمة منها!

وأمام كثرة الطيران الإسرائيلي وقلة أعداد المطارات والقواعد الجوية تم تدمير كل الطائرات المصرية التي تُركت مكشوفة على الأرض هدفًا سهلًا للعدو بدون اعتراض، وبدون أي صور مِن صور التمويه والخداع باستخدام الطائرات الهيكلية التي تضلل الطيار المعادي، وتبعد ضربته عن الطائرات الحقيقية، ولو كانت طائرات القواعد الجوية والمطارات العسكرية داخل دشم حديثة محصنة قوية البنيان لتغيرت الصورة كثيرًا، وهكذا بدأت فصول المأساة.

في حرب 1967م: طبقت إسرائيل مبدأ (بوفر) الإستراتيجي الشهير المعروف في الفكر العسكري باسم مبدأ (السيادة الجوية) الذي يرى أن العدو الذي ينجح في تدمير أجهزة ووسائل دفاعات عدوه الثابتة منها والمتحركة يضمن لطيرانه الحرية الجوية الكاملة، وبها يستطيع إخراج طيران عدوه مِن المعركة قبْل أن تبدأ، وتمزيق دفاعاته الثابتة التي لن تجد معونة مِن الدفاعات الجوية المتحركة، والانطلاق بحرية بعدها لتدمير باقي الأهداف الإستراتيجية للعدو، والقضاء على القوات البرية المعادية التي تكون معنوياتها قد تحطمت.

صمود الطيران المصري:

لعل الخطأ الذي وقعت فيه إسرائيل -إن جاز القول بذلك- أنها اكتفت بتدمير معظم الطائرات المصرية وإتلاف ممرات المطارات والقواعد الجوية، ولم تضرب تجمعات الطيارين والفنيين المصريين في الأماكن التي قاموا بقصفها، فلم يكن ذلك مِن أهدافهم، مع أن الشلل الحقيقي للقوات الجوية والبرية على السواء هو القضاء على العنصر البشري المدرب فيها، والذي معه يستحيل النهوض مِن جديدٍ إلا بعد سنواتٍ وسنواتٍ مِن التعليم الكافي والتدريب الجيد إذا قُدر له أن يقوم مِن جديدٍ.

وقد بدأت مرحلة الصمود التي تشهد للمقاتل المصري بالشجاعة والفدائية خلال أيام الحرب الست في يونيو 1967م، فرغم الهزيمة الفادحة، والانسحاب المخزي، وتحطم معظم السلاح الجوي المصري، فإن سجلات غرف العمليات في أيام المعركة تسجل أن الطيران المصري المجروح بجرحه البالغ لم يختفِ عن المعركة، فقام الطيارون المصريون باستخدام ما بقي مِن الطائرات السليمة أو تم إصلاحه سريعًا مِن الطائرات المصابة إصابة جزئية بعددٍ مِن العمليات الجريئة أشبه بالانتحارية للصمود والتصدي لطيران العدو المكتسح في معارك قطعًا لم تكن متكافئة.

فمِن أمثلتها:

- في صباح يوم 6 يونيو -ثاني أيام المعركة- اندفع رائد طيار بطائرته (السوخوي) في عمق إسرائيل ليقصف أحد المطارات الإسرائيلية فيدمر طائرتين على أرض المطار وعددًا مِن السيارات والمنشآت، وينجح في الإفلات مِن مطاردة طائرات العدو، لكنه يستشهد بعد وصوله للأجواء المصرية لنفاد وقود الطائرة.

- وفي 7 يونيو تصدر الأوامر لطائرتين: الأولى لرائد طيار، والثانية لنقيب طيار، لاعتراض عملية إسقاط قوات مظليين إسرائيليين في منطقة الممرات بسيناء، فينجح الأول في إسقاط طائرة نقل بحمولتها مِن الرجال المظليين، وأخرى ميراج، ويعود سالمًا. وينجح الثاني في إسقاط ثلاث طائرات: اثنتين مِن الناقلات، والثالثة ميراج قبْل أن يستشهد بعد عودته بسبب حفرة في ممر مطار (فايد).

وفي 8 يونيو يشتبك رائد طيار وزميله ملازم أول طيار بطائرتيهما الميج 19 مع اثنتي عشرة طائرة إسرائيلية مِن طراز الميراج قرب مطار (المليز) فيصيبا أربع طائرات، ويفر الباقي بعد معركة جوية شرسة، ومع نفاد الوقود هبطا بالمظلة، فجرح أحدهما ونجح في العودة، ووقع الآخر أسيرًا، وأطلق سراحه بعد انتهاء الحرب.

وفي يومي 14 و15 يوليو 1967م -خلال فترة النقاهة بعد الهزيمة- كانت هناك عمليات إسرائيلية في سيناء لتشوين مؤن وذخائر وجلب عتاد مِن الخطوط الخلفية للمقدمة استعدادًا لعملية جديدة بعد ساعات، فتقرر ضربها، ومع اندلاع نيران القتال شاركت القوات الجوية المصرية بطلعاتٍ هجومية، تم فيها تدمير الأهداف المطلوبة بالكامل.

إعادة البناء والتحدي:

قامت القوات الجوية مِن بعد الخروج مِن هزيمة يونيو 1967م وحتى الدخول في حرب أكتوبر 1973م بمجهودٍ جبار لإعادة بناء القوات الجوية بالكامل، والقيام بأعباء التصدي للعدو المتغطرس، والمشاركة في عمليات حرب الاستنزاف، ثم التحضير والاستعداد الجيد المتقن لمعركة التحرير في هذا الوقت القصير.

فمما اتخذته في تلك الفترة:

- التغيير الجذري في أعلى مستويات القيادة العسكرية في يوم 12 يوليو، بعد ثلاثة أيام فقط مِن قبول قرار وقف إطلاق النار الذي أصدره مجلس الأمن؛ مما أدى إلى ظهور روحٍ جديدةٍ، وتغير في الفكر ومناهج التخطيط وأساليب التنفيذ.

- تحديد ودراسة أسباب الهزيمة بعيدًا عن المغالاة والتضخيم أو التهوين والتقليل، أو إخفاء للأسباب، أو الاستسلام للشعور بالذنب أو اليأس.

- حصر وتحديد حجم الخسائر في المقاتلين والمعدات، لتعويض ما فقد، والتمهيد لإعادة البناء العسكري، وتحديد الجهد المطلوب والخطط الكلية والجزئية اللازمة والمساحة الزمنية للتنفيذ.

- توفير العدد المطلوب مِن الطيارين البارعين، وكوادر الفنيين المدربين تدريبًا جيدًا على أعمال الصيانة والإصلاح والتغلب على أعمال الإعاقة المعتادة والطارئة. 

- توفير طائرات مِن نوعيات متقدمة والتدرب عليها جيدًا، وإدخال التعديلات المطلوبة عليها لتجاري ما عليه طائرات العدو الحديثة التي تتمتع بإمكانياتٍ إليكترونية متقدمة، وقدرات عالية على المناورة.

- الدقة الكاملة في تنفيذ الخطط الجزئية ومشروعات التدريب، والصبر على مشاق هذا التدريب، وعلى مصاعب إعادة البناء، مع المرونة في معالجة المشاكل الطارئة أثناء التنفيذ العملي للخطط والمشاريع.

- معالجة ما سبق مِن أخطاء في حرب يونيو، وابتكار الحلول لما يجد مِن تطورات، والاستعداد لما قد يظهر مِن مفاجآت.

- متابعة ما عليه العدو مِن إمكانيات، وما يتخذه مِن وسائل تحديث، في غير تهوين مِن قدراته أو المبالغة فيها.

- لقد استطاعت القوات الجوية المصرية مِن خلال العمل الشاق والتخطيط الجيد والتنفيذ الدقيق والتدريب المستمر أن تستعيد قوتها، وأن تجاري طيران العدو فيما عليه مِن قوة وفاعلية، وتنوع وتقدم علمي، لتكون له ندًّا؛ فأصبحت قادرة على أداء كل ما يجب عليها مِن الواجبات الأساسية التي تكلف بها القوات الجوية وبكفاءة.

وفي مقدمتها:

1- القدرة على الردع الجوي لأي هجماتٍ جوية مِن العدو، خاصة بعد استكمال بناء حائط الصواريخ، وكان الوصول إلى هذا المستوى والاستعادة الكاملة للياقة القتالية في فترة زمنية قصيرة في غاية الأهمية لإلزام العدو بالعودة إلى الحجم الحقيقي لقوته بعيدًا عن أوهام السيادة الجوية، والذراع الطويلة القادرة على الوصول لأي هدفٍ في أي وقت.

2- استعادة القدرة على الاستطلاع الجوي لمسرح العمليات، لمعرفة مراكز تجمعات واتجاهات تحركات قوات العدو، وهي مهمة خطيرة يتحدد على ضوء نتائجها المهام القتالية التي يتعين القيام بها ضد العدو، خاصة وأن الجيوش الميدانية بجميع فروعها البرية والبحرية تعتبر في حاجة مستمرة إلى هذه المعاونة مِن القوات الجوية.

3- مقاومة استطلاعات العدو لمواقعنا، وقد نجحت قواتنا الجوية بالتعاون مع قواعد الصواريخ المضادة للطائرات في ذلك لدرجةٍ كبيرةٍ، رغم ما تملكه إسرائيل مِن طائرات استطلاع بالغة التطور، وتتمتع بمستويات عالية مِن الإمكانيات الفنية والسرعات الهائلة والقدرة على المناورة.

4- توفير الحماية الجوية للقوات المسلحة والأهداف الحيوية للدولة ضد هجمات الطيران المعادي بالتعاون مع وسائل الدفاع الجوي.

5- صد هجمات العدو الجوية على مواقعنا والاشتباك معها، ومنعها مِن تنفيذ ضرباتها.

6- تقديم الغطاء الجوي والأمن اللازم للقوات البرية في عملياتها، والسيطرة الجوية فوق مسرح العمليات ولو لفتراتٍ محدودةٍ، وغالبًا تكون قبْل بدء العمليات، بتوجيه ضرباتٍ مركزة ضد العدو ومراكز قياداته، ووسائل دفاعه الجوي، ومواقع التوجيه والإعاقة والشوشرة.

7- إسكات مدفعية العدو التي تهدد القوات المشتبكة في القتال، وتصب عليها نيرانها الضارية وتمنع تقدمها، فيدك سلاح الطيران بطارياتها، ويدمر مراكز السيطرة والتوجيه التي تتحكم في عملياتها.

8- عمليات الإبرار التي يتم فيها بطائرات النقل المخصصة نقل الجنود والمعدات، أو بطائرات الهليكوبتر التي تتولى نقل قوات المظلات والصاعقة، وجماعات الاستطلاع الجوي وإسقاطهم خلف خطوط العدو، والتي تم تنفيذ العديد منها بنجاحٍ خلال عمليات حرب الاستنزاف داخل سيناء.

9- منع الإبرار المعادي بتأمين الخطوط الخلفية وحماية الأهداف الحيوية مِن أي إبرار للعدو بري أو بحري، والقضاء على أي قوات يوجهها العدو للقيام بالإبرار سواء كانت وهي في الجو أو في البحر، أو بعد نزولها على الأرض.

10- عمليات الإمداد أو الإخلاء، بإمداد القوات أثناء العمليات برًّا أو بحرًا، خصوصًا في الأماكن أو الأحوال التي لا تسمح بالإمداد بالطرق العادية، أو إخلاء خسائر العمليات في الأفراد أو المعدات، كنقل الجرحى إلى المستشفيات، والمعدات المعطلة إلى ورش الإصلاح.

11- ضرب الأهداف الإستراتيجية للعدو والمواقع التعبوية والأهداف الرئيسية المؤثرة في المجهود الحربي للعدو التي توجد في العمق، وكذلك تجمعات سفن العدو في عرض البحر بمختلف أنواعها بالتعاون مع القوات البحرية.

لقد كان نجاح القوات الجوية في استعادة دورها وفاعليتها مِن جديدٍ إلى جانب إعادة بناء قواعد الصواريخ المتقدمة على الجبهة -بما يمكن معه توفير الحماية الجوية لأي قوات مصرية تعبر لعدة كيلو مترات شرق القناة- هي البداية الحقيقية لتعديل وتطوير الخطة الدفاعية (200) لتتحول إلى خطة هجومية -عمليًّا لا نظريًّا- إذ كان يستحيل عمليًّا التفكير في عبور قواتنا للقناة قبْل التأكد مِن القدرة على توفير الحماية الجوية لها، ومنع السيادة الجوية للعدو فوقها؛ لئلا تتكرر مأساة هزيمة قواتنا البرية في حرب يونيو 1967م.

ومما يدل على درجة كفاءة قواتنا الجوية العالية وقدرتها الكبيرة على تحقيق ما تكلف به مِن مهامٍ: أنه تقرر إلغاء الضربة الجوية الثانية عصر يوم 6 أكتوبر 1973م بعد النجاح الكبير الذي تحقق بتدمير معظم الأهداف المطلوب تدميرها -قبْل عبور القوات البرية- مِن خلال الضربة الجوية الأولى التي تمت ظهرًا؛ إذ كان مِن المخطط له القيام بالضربة الجوية الشاملة الأولى في الساعة الثانية، ثم القيام بضربةٍ جويةٍ شاملةٍ ثانية في الساعة الرابعة والنصف -أي بعد ساعتين ونصف ساعة تقريبًا مِن الضربة الأولى- بعد مراجعة نتائج الضربة الأولى، لتدمير ما لم يتم تدميره في الضربة الأولى؛ لضمان شل قدرة العدو تمامًا، ومنع تعرضه لقواتنا البرية خلال عبورها للقناة، فجاءت مراجعة نتائج الضربة الأولى مؤكدة على تدمير معظم الأهداف المطلوب تدميرها، بما لا يحتاج الأمر معه إلى تنفيذ ضربة جوية شاملة ثانية.

ويدل على براعة التنسيق بيْن القوات الجوية والمدفعية المصرية خلال الضربة الجوية الشاملة ظهر يوم 6 أكتوبر 1973م، قيام 220 طائرة مصرية بضرب قوات العدو داخل عمق سيناء والعودة سالمة أثناء القصف المدفعي العنيف لخطوط العدو على طول الجبهة في نفس الوقت، مِن خلال اتخاذ الطائرات المغيرة في الذهاب والعودة مسارات متفق عليها لا تتعارض مع القصف المدفعي القوي والمركز على طول الجبهة في نفس الوقت.

للاستزادة راجع: ("كلمة السر: مذكرات محمد حسني مبارك يونيو 1967م - أكتوبر 1973م"، سجلها وكتبها محمد الشناوي ط. دار نهضة مصر. ط. أولى، أكتوبر 2013م).