الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن مِن أعظم نعم الله على عبده؛ نعمة انشراح الصدر.
وانشراح الصدر معناه: أن يشعر العبد بالسكينة والطمأنينة،
والراحة والرضا والسعة، وعكس ذلك يكون الضيق والقلق والاضطراب، وقد قال -تعالى-
ممتنًا على رسوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَمْ نَشْرَحْ
لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح:1)، أي: جعل فيه نورًا، وجعله
فسيحًا رحيبًا واسعًا، وقد طلب موسى مِن ربه -تعالى- أن يشرح له صدره فقال: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (طه:25-26).
ومِن أعظم نعم الله على عبده أن يشرح صدره للإسلام
والإيمان، قال -تعالى-: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ
صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا
حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) (الأنعام:125)، وقال -تعالى-: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ
فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ
اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (الزمر:22)، فأهل الهدى والإيمان لهم شَرْحُ
الصدر واتساعه وانفساحه، وأهل الضلال لهم ضيق الصدر والحرج.
وقد عقد ابن القيم -رحمه الله- فصلًا في كتاب "زاد
المعاد" تحدث فيه عن أسباب شرح الصدور، ومِن هذه الأسباب التي ذكرها: "التوحيد"،
فقال:
"وَعَلَى حَسَبِ كَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ انْشِرَاحُ
صَدْرِ صَاحِبِهِ، والشرك والضلال مِن أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه، ومِن أسباب
انشراح الصدر: (النور) الذي يقذفه الله في قلب العبد، وهو نور الإيمان، فإنه يشرح
الصدر ويوسعه ويفرح القلب، ومِن أعظم أسباب ضيق الصدر: الإعراض عن الله -تعالى-،
وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه؛ فإن مَن أحب شيئًا غير الله عُذب
به.
ومِن أسباب شرح الصدر أيضًا: دوام ذكر الله على كل حال، وفي كل
موطن؛ فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب، كما قال الله -تعالى-: (ألا بِذِكْرِ
اللّهِ تطْمئِنّ الْقلوب) (الرعد:28)، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه -والعياذ بالله-.
ومنها: الإحسان إلى الخلق ونفعهم، ففي الحديث: (لَأَنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ
لِي فِي حَاجَةٍ, أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ
-مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).
ومنها: ترك فضول النظر، والكلام والاستماع،
والمخالطة، وكثرة الأكل والنوم، والانغماس في أنواع اللهو، والتوسع في المباحات،
ونحو ذلك" (انتهى مِن زاد المعاد بتصرف).
فاللهم اشرح صدورنا، ونوّر قلوبنا، وأصلح أحوالنا.