رحمة للعالمين

  • 226

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلك أن تتخيل بشرًا يحمل مِن الصفات والقلب الذي يكون ذلك سببًا في رحمة الإنس والجن والملائكة والحيوانات والجمادات، ومِن الإنس الكبير منهم والصغير، والطفل الرضيع والنساء والولدان؛ كيف لا يحبه الكون كله وهو رحمة له؟! قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)، إنه محمد -عليه الصلاة والسلام-، وكلما علم الإنسان كيف كانت رحمته بالعالمين، ذاب القلب شوقًا إلى محبته واتباعه، فالتعرف على هذا الجانب مِن سيرته العطرة -عليه الصلاة والسلام- مِن الأهمية بمكانٍ في زرع محبته بقلوب العالمين، وفي هذه الأسطر القليلة سنحاول تسليط الضوء على بعض هذ الجوانب التي تجلب محبته.

رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم بالإنس لها جوانب عدة، هداية البيان والإرشاد التي أثبتها الله -عز وجل- له -صلى الله عليه وسلم- كما قال -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52)، فهدى الله -عز وجل- به القلوب، وأخرج الله به الناس مِن الظلمات إلى النور.

وقد أيده الله بالمعجزة الخالدة التي هي رحمة للعالمين "القرآن الكريم" كما قال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (العنكبوت:51)، وهذه الرحمة منه -صلى الله عليه وسلم- على الخلق فاضت حتى كاد يهلك نفسه -صلى الله عليه وسلم- لانصراف الخلق عن طريق الله -تعالى-، قال -تعالى-: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف:6)، وإنما كان يحرص أشد الحرص على إنجاء الناس مِن النار، وإنما يهلك مَن هلك رغمًا عنه كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا، قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا) (متفق عليه).

ولذلك حثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمة بأن تتحلى بهذا الخلق العظيم، فعن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَضَعُ اللهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كُلُّنَا يَرْحَمُ. قَالَ: (لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ، وَلَكِنْ يَرْحَمُ النَّاسَ كَافَّةً) (رواه أبو يعلى، وحسنه الألباني)، وقال: (مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ، وَمَنْ لَا يَغْفِرْ لَا يُغْفَرْ لَهُ، وَمَنْ لَا يَتُبْ، لَا يُتَبْ عَلَيْهِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني)، وقال: (ارْحَمْ مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكَ مَنْ فِي السَّماءِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني)، وقال: (إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ) (متفق عليه).

ومِن معاني رحمته -صلى الله عليه وسلم- بنا أن دلنا على ما يعصمنا مِن الضلال، كما قال: (إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).

لذلك مَن أراد أن يعرِّض نفسه لتلك الرحمة العظيمة؛ فعليه أن يتمسك بكتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- علمًا وفهمًا وتطبيقًا.

والحمد لله رب العالمين.