الذكرى الأربعون لفتنة "جهيمان" في الحرم المكي

  • 241

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تعرض الحرم المكي الشريف للعديد مِن الفتن على مرِّ التاريخ، مِن أشهرها: محاولة (أبرهة) الحبشي صاحب الفيل هدم الكعبة في عام الفيل، والتي سجَّلها القرآن الكريم في سورة (الفيل)، وقد أباد الله -تعالى- أبرهة وأصحابه، وردهم بشر خيبة.

ومِن هذه الفتن: حصار جيش يزيد بن معاوية بن أبي سفيان لعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- في مكة وفي الحرم، واستخدام جيش يزيد للمنجنيق في رمي ابن الزبير وأتباعه؛ الأمر الذي ترتب عليه -مما ترتب- ميل واحتراق لجدار البيت؛ مما جعل ابن الزبير يعيد بناء الكعبة بعدها.

ومنها كذلك: إلحاد القرامطة (أتباع حمدان قرمط) مِن غلاة الشيعة في الحرم، حيث استولوا على العديد مِن البلاد، وزحفوا على الحرمين؛ فنهبوا الحجاج يوم التروية وقتلوهم عام 317هـ، ونزعوا كسوة الكعبة، وقلعوا الحجر الأسود مِن مكانه، وحملوه إلى بلادهم في الأحساء، ورفضوا إعادته، فظل عندهم إلى أن ردوه في عام 339هـ.

ولم يسْلَم عصرنا الحاضر مِن حدوث فتنة في الحرم، وهي الفتنة التي قادها (جهيمان العتيبي) و(المهدي القحطاني) وأتباعهما، والتي فوجئ بها المسلمون مع قرب مطلع القرن الخامس عشر الهجري، في أول المحرم عام 1400هـ، الموافق 20 نوفمبر 1979 م، أي منذ أربعين عامًا.

جهيمان العتيبي: هو جهيمان بن سيف العتيبي مِن أبناء قبيلة عتيبة، وُلد في 16 سبتمبر 1936م، درس لفترةٍ في الجامعة الإسلامية في المدينة، وخدم في الحرس الوطني لمدة 18 عامًا، ثم استقال في عام 1974م، وتفرغ بعدها للدعوة الإسلامية، فكان له أتباع خاصة مِن الشباب المتأثر بفكره.

قام جهيمان وأتباع له بعد صلاة فجر الأول مِن المحرم عام 1400هـ بإغلاق أبواب المسجد الحرام، وسد المنافذ إليه، والتحصن داخله، وكانوا مسلحين تسليحًا خفيفًا، وقد أدخلوا السلاح الحرم في توابيت لجثامين دخلت الحرم للصلاة عليها قبْل الدفن، وادعوا أن محمد بن عبد الله القحطاني -وهو أخو زوجة جهيمان- هو المهدي، وأنه تنطبق عليه أوصاف المهدي الذي يخرج في آخر الزمان الواردة في السُّنة النبوية.

وقد استندوا في زعمهم هذا إلى أن عددًا منهم رأى في المنام رؤى تؤكد هذا الزعم؛ وعليه قاموا بمبايعة هذا القحطاني عند الكعبة بيْن الركن والمقام (مقام إبراهيم -عليه السلام-)، وعلى الملأ، ودعوا الناس إلى مبايعته بعد الاستيلاء على الحرم، وبعد إطلاق سراح النساء والأطفال احتجزوا مَن بقي مِن المصلين معهم.

ولاستعادة الحرم مِن جهيمان وأتباعه دار القتال حول وداخل الحرم قرابة الأسبوعين، واستخدم الغاز في القضاء على مقاومتهم، بعد استصدار فتوى مِن العلماء بمشروعية الهجوم على هؤلاء الشباب المسلحين لاستعادة الحرم مِن بيْن أيديهم، وهو الأمر الذي أسفر عن مقتل الكثيرين مِن أتباع جهيمان، منهم القحطاني نفسه، الذي ادعى أنه الإمام المهدي. وتم القبض على جهيمان وعشرات ممَن تبقوا معه مِن أتباعه، حيث أعدموا جميعًا بعدها.

وقد اتفقت كلمة الأمة على عدم مشروعية ما قام به جهيمان وأتباعه وحرمته، وأنه يتحمل مع أصحابه الذين خرجوا معه مسلحين إثم ووزر انتهاك حرمة المسجد الحرام، وحرمة البلد الحرام، وحرمة شهر محرم الحرام، وسفك دماء المسلمين الأبرياء في الحرم، وترويع الآمنين، إلى جانب تعطيل ذكر الله -تعالى- في الحرم، بتعطيل الصلوات الواجبة والنافلة فيه، والطواف والسعي، وإحصار المعتمرين فيه.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.