كيف تعود الأمة إلى مجدها وعزها؟

  • 204

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الحياة الإنسانية مجال صراعٍ رهيبٍ بيْن الأمم المختلفة، وكل أمة تدعي أنها الأفضل والأكمل، ولكن حسم الله -تعالى- هذه القضية، فقال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110).

 قال السعدي -رحمه الله-: "يمدح -تعالى- هذه الأمة، ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك، وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم".

وقال الجزائري -رحمه الله-: "لما أمر الله -تعالى- المؤمنين بتقواه والاعتصام بحبله فامتثلوا، وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون إلى الإِسلام ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا؛ ذكرهم بخير عظيم، فقال لهم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)... ووصفهم بما كانوا به خير أمة، فقال: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وهو الإِسلام وشرائع الهدى التي جاء بها نبيّه. (وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهو الكفر والشرك، وكبائر الإِثم والفواحش. (وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) وبما يتضمنه الإِيمان بالله مِن الإِيمان بكل ما أمر -تعالى- بالإِيمان به مِن الملائكة، والكتب، والرسل، والبعث الآخر، والقدر".  

فإن الأمة الإسلامية تسلمت قيادة البشرية منذ أن تكونت على يدي معلم البشرية وهاديها محمد -صلى الله عليه وسلم-، واستمرت على ذلك دهورًا طويلة، والذي أوصلهم إلى هذا الرقي العظيم في عبارة واحدة: "أنهم حققوا الهدف الذي خلقهم الله مِن أجله" ألا وهو العبودية لله العظيم (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، ولكن الأمة فقدت تلك المنزلة شيئًا فشيئًا حتى أصبحتْ في أيامنا على الحال التي نعرفها ونشاهدها؛ فذلت بعد عزة، وجهلت بعد علم، وضعفت بعد قوة، وأصبحت في ذيل القافلة بعد أن كانت في طليعتها! فقد أصبحت الأمة الواحدة أممًا، والدولة دولًا، وانتشر الفقر وازدادت التعاسة في كثيرٍ مِن ديار المسلمين، وضاع كثيرٌ مِن هذه الديار عندما استولى عليها أعداء الله مِن الصليبيين واليهود والشيعة.

لقد تبيَّن لنا تبينًا لا لبس فيه فشل دعاة الوطنية ودعاة القومية، كما فشل الاشتراكيون والبعثيون، ولم يبقَ إلا الإسلام؛ لقد نجح الإسلام في الماضي عندما حكم هذه الديار -ديار المسلمين-، نجح في إيجاد مجتمعٍ مثاليٍ في عالم البشر.

 لقد أضاع المسلمون الكثير مِن تعاليم دينهم، وانحرف بهم المسار، واستبدلوا به عادات موروثة، وعادات وفلسفات وتوجهات وافدة، فكان ثمار ذلك: الفرقة والانقسام، والهزائم العسكرية والفكرية.

أضف إلى ذلك: الجهل الذي انتشر في ربوع العالم الإسلامي، والأمراض الفكرية الهائلة التي يعاني منها المسلمون في هذا العالم الرحب، مثل: "داعش" وأخواتها.

فإذا أردنا العودة بأمتنا إلى عزها ومجدها؛ فعلينا بتربية جيلٍ فريدٍ على الانتماء للإسلام دون سواه، وتوحيد مصدر الهداية ووحدة العقيدة، والوحدة السياسية المتمثلة في إقامة الدولة الإسلامية، والعمل على إرجاع الخلافة الراشدة.

وإصلاح الانسان حسب فقهنا لكتاب الله وسنة رسوله يتم بأمرين:

الأول: إصلاح الفرد، وذلك بإصلاح عقيدته وتصوراته وأفكاره، وقيمه وأخلاقه، وموازينه وأعماله.

الثاني: إصلاح المجتمع الإنساني بإصلاح علاقاته ونظمه وقوانينه، وإذا تأملتَ سيرة النبي؛ رأيت عنايته كانت منصبة في المرحلة المكية على تحقيق الأمر الأول، وهو إصلاح الفرد، بينما كانت عنايته متجهة في المرحلة المدنية إلى تحقيق الأمر الثاني.

قال الإمام مالك: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أمر أولها".

نعم، كلام يكتب بماء الذهب، بل بماء العين! فهل نجد مَن يتعاون على ذلك بإصلاح نفسه وأسرته ومجتمعة؛ لنكون قادة وسادة لجميع الأمم الأخرى؟!

 قال -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:2)، فكن عضوًا سليمًا في جسد هذه الأمة، ولا تكن عضوًا أشل؛ فقد عزلت نفسك عن باقي الأمة.

والحمد لله رب العالمين.