أدب الحوار (2)

  • 184

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فـنستكمل حديثنا في هذا الجزء مع الأدب الثاني مِن آداب الحوار.

2- الإلمام بالمَسّألة المتحاور فيها:

قبْل الدخول في الحوار يجب أن يكون المتحاور على علمٍ بالمسألة التي سيكون الحوار عنها؛ لأنه إن لم يكن الإنسان ذا علمٍ بما يحاور مِن أجله؛ فهو بذلك مذموم عند الله، ولا يجوز له أن يدخل في الحوار أصلًا حتى لا يفسد مِن حيث أراد الإصلاح، فقد قال -تعالى-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف:108)، فجعل البصيرة شرطًا في الدعوة إلى الله -تعالى-، والحوار مِن أعظم أساليب الدعوة، وهو مِن سبل الأنبياء وأتباعهم في تبليغ الحق الذي معهم.

وذم -سبحانه وتعالى- أقوامًا يجادلون بغير علم، وجعل ذلك في حقيقته اتباعا للشيطان، فقال -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ) (الحج:3).

- وذم كذلك أهل الكتاب في محاجتهم فيما ليس لهم به علم، فقال -سبحانه وتعالى-: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (آل عمران:66).

فحين يدخل بعض الناس في حواراتٍ دون علمٍ أو إعدادٍ -وإن كان معه الحق-، فإنه يفسد أكثر مما يصلح؛ لأنه: إما أن ينزلق للإفتاء أو الكلام بغير علمٍ، فيكون بذلك ممَن يدعو إلى هواه ورأيه وشيطانه، وتلك مصيبة كبرى فيكون حاله كحال مِن قال الله في حقهم: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية:23).

أو يكون ذلك سببًا في ظهور صاحب الباطل عليه؛ لضعف حجته، فيُلبس صاحب الباطل بذلك على الناس في ترويج باطله؛ لذلك فالواجب على المحاور أن يكون على علمٍ إجمالي وتفصيلي بما يحاور فيه؛ لا سيما إن كان مِن شرع الله المطهر كتابًا وسنةً، وكذلك العلم بالواقع الذي يتعلق بموضوع الحوار والنقاش إجمالًا وتفصيلًا حتى يكون على هدى مِن أمره، ومقنعًا لغيره بما لديه مِن حق.