النقاب... ومعركة الوعي!

  • 211

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالحملة القائمة الآن على النقاب، حملة قديمة حديثة، وهي أحد مظاهر الصراع بيْن الحق والباطل، ولئن كان القائمون بهذه الحملة جعلوا النقاب شعارًا لحملتهم، فلن يتورعوا أن يطالبوا بمنع الحجاب مستقبلًا إن سنحت لهم الفرصة لذلك!

وتأتي هذه الحملة ضمن مجموعة مِن الحملات التي تستهدف ثوابت الدين وقيمه ومبادئه؛ فلذلك لابد ألا نكتفي بالقراءة السطحية للحدث والانشغال به دون الوقوف على أبعاده ومآلاته.

ولقد ذكر الله -تعالى- في كتابه مشاهد معركة الحق والباطل المتكررة في كل عصر، وقد تختلف الصور، لكن لا شك تبقى الحقائق؛ حتى يتعجب المؤمن مِن تطابق الجاهلية قديمًا وحديثًا، في أسسها ومبادئها ونفسيتها وأساليبها ومراحلها، فلا يزيده هذا إلا يقينًا في نهايتها وزوالها، وهذا ما حدث في قصة قوم لوط -عليه السلام- وجوابهم على التخويف بالله وبعذابه، قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (الأعراف:82).

- مِن هنا فلابد أن ندرك أن هذه الحملات التي لا تكل ولا تمل، ولا تترك ميدانًا إلا ولجته، تمثِّل جزءًا مِن معركة الوعي التي يقودها أصحاب الباطل في هذه المرحلة الفارقة في تاريخ أمتنا؛ هذه المعركة يحاول فيها أصحاب الباطل التزييف المتعمّدِ للوعي.

معركة تحاول أن تعيد رسم نظرة المسلمين للأشياء.

معركة تحاول تغيير معاييرهم في الحكم على الصواب والخطأ.

معركة تحاول أن تجعلهم يرحبون بما كانوا يرفضون، ويرفضون ما كانوا يرحبون به.

معركة تريدهم أن يكفروا بما كانوا يؤمنون به، ويؤمنون بما كانوا يكفرون به.

معركة تريد منهم -باختصارٍ-: أن يخرجوا مِن ذواتهم، وأن يُدخِلوا مكانها ذواتًا أخرى جديدة بعيدة عن مبادئ الوحي والشرع والدين، وهذه المعركة -ولا شك- لها ضحايا كثرٌ؛ فمنهم صرعى، ومنهم جرحى، ومنهم ما بيْن ذلك؛ فلابد أن ننتبه، وأن نكون على مستوى الصراع.

- ولابد أن ندرك أن هذه المعركة وتلك الحرب قديمةٌ بقدم الصِّراع بيْن الحق والباطل، منذ أن أمر الله -سبحانه- إبليس بالسجود لآدم -عليه السلام-، فأبَى وعصى وتكبَّر على أمر الله، ومنذ ذلك اليوم والحرب لَم تتوقف بيْن الفريقين وبين الحزبَيْن، ولم يتغيَّرْ أي شيءٍ مِن أهدافها المعلَنة مِن الشيطان وجنده؛ بل كذلك لَم تتغيرِ الوسائل وإن تغيرتِ الأساليبُ.

- كذلك علينا إدراك: أن هذه الحملات أشبه بحرب استنزاف يحاول فيها العلمانيون إرهاق الإسلاميين واستنفاذ جهودهم، وإشغالهم عن أهدافهم الكبرى في البناء والتربية، ومحاولة إعادتهم إلى المربع الأول؛ فلذلك لابد مِن الانتباه والموازنة بيْن مواجهة تلك الحملات، والانشغال بها، والتصدي لها، وبيْن أهدافنا الكبرى والسير قدمًا نحو تحقيقها.

- كثير مِن الإسلاميين يقعون في قراءة خاطئة للحدث بيْن تعميمه بأن الدولة أصبحت دولة مارقة خارجة عن الدين معادية له، وبين تحميل الماضي أوزار الحاضر؛ فيُحملون السلفيين وزر هذا الفعل، وأن اختيارهم هو ما أدى بنا إلى هذا الحال!

وهؤلاء لن يرضيهم شيء؛ لأنهم في الأصل لا يرون إلا أنفسهم، وقراءاتهم الخاطئة للأحداث لن تنتهي؛ فلا ننشغل بهم وبتحليلاتهم، ولا يجب أن نلتفت لهم.

- هذه الحملات وإن لم تحقق مرادها إلا أنها تحدث خسائر ولا شك، وخاصة أنها تُستغل بصورةٍ سيئةٍ وسلبيةٍ إعلاميًّا، في ظل الفراغ الدعوي الهائل الذي تعيشه الأمة بعد ثورات الخراب العربي، فلذلك لابد مِن التخطيط الجيد لمواجهتها وعدم التهوين مِن تداعياتها، والاستمرار بنفس طويل في مواجهتها.

- لابد أن يدرك المسؤولون وأصحاب القرار: أن السماح بمثل هذه الحملات وعدم مواجهتها يعطي فرصة لبذور الإرهاب والتطرف أن تنمو مِن جديدٍ؛ بحجة أن الأمر تجاوز الحد، وأن الدين تُنتهك حرمته، إلى غير ذلك.

وأخيرًا: على الذين سلكوا طريق الدعوة إلى الله -تعالى- ألا يهتز يقينهم، ولا يتزعزع إيمانهم حتى وإن رأوا تكالب الأمم واشتداد الخطوب؛ لأنهم يعلمون أن الأمر كله لله -تعالى-، وأن العاقبة للحق وأهله، وأن المستقبل لهذا الدين: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:21).