عاجل

الحرب على الثوابت والممانعة المجتمعية

  • 248

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلم أتعجب كثيرًا مِن موقف د."سعد الدين الهلالي" مِن مسألة الميراث التي تُعد مِن المسائل قطعية الثبوت في دين الله -تعالى-؛ فلا شك أن مثل هذه النماذج المنحرفة تتكرر في كل عصرٍ وحينٍ، وتجدها هي نفسها تمامًا بتمام، ولكن العجب حقًّا في حجم الممانعة المجتمعية التي واجهتها تصريحات "الهلالي"، ولا شك أن هذا بشير خير؛ فلا زال في الأمة أمل، وما زال في الأمة رجال، وما زالت لهذه الثوابت هيبة ومكانة في نفوسهم.

فالممانعة المجتمعية حائط الصد الأساس في الحفاظ على الثوابت الدينية والأخلاقية أمام الهجوم الانحلالي التغريبي الهادف إلى سلخ الأمة مِن دينها وأخلاقها؛ وضعف هذه الممانعة أو انعدامها سبب رئيس في تغيُّر صورة المجتمعات الإسلامية وحصول التناقض الواضح بيْن حقيقة الإسلام وواقع تلك المجتمعات. 

والممانعة كما يعرِّفها د."محمد السعيدي" في كتابه: "الممانعة المجتمعية... تأصيل فكري للمفهوم والوسائل"، تعني: اقتصار المجتمع على دينه وبيئته وتاريخه، ومقدرات أرضه ولغته في إنتاج آدابه وأخلاقه ورؤاه، وعباداته وعاداته وأعرافه، ويلزم مِن هذا الاقتصار: رفض المجتمع تبني كل أدب أو رؤية أو خُلُق أو عبادة أو عادة أو عرف ليس نتاجًا لدينه وبيئته وتاريخه، ومقدرات أرضه ولغته.  

وحين نجد أن المجتمع قد تأثر بثقافة ما تناقض أصوله وثوابته؛ فهذا يعني أن هناك نقطة ضعف في تفاعل المجتمع مع دينه أو تاريخه أو بيئته وسائر الأصول المكونة لقيمه، ومِن نقطة الضعف تلك تنفذ إلى المجتمع أشكالٌ مختلفة مِن القيم الدخيلة سوف تؤدي كثرتها إلى انحراف هذا المجتمع عن الصورة المثلى للمجتمع المسلم، وسينساق وراء الهدامين، وسيتأثر ولا شك بأساليبهم في الدس والتزييف والهدم والتخريب، وهي أساليب لا يقتصر شرها على بلدٍ دون بلدٍ، فهي تعم بلاد المسلمين عامَّة.

ولا شك أن لضعف الممانعة المجتمعية أسبابًا عدة، أهمها: جهل أبناء المسلمين بإسلامهم وبدينهم -والجاهل عدو نفسه، ومِن جهل شيئًا عاداه-، كذلك مِن الأسباب: عدم "تحصين" الشباب أمام الغزو الفكري الهائل الذي يتعرضون له، وتركهم عرضة لهذا الطوفان الهائل مِن الشبهات والشهوات دون حمايةٍ ووقايةٍ، كذلك مِن الأسباب تمكن المنحرفين مِن بعض وسائل الإعلام، وفتحها لهم، وجعلها بيْن أيديهم، فصار أبناء المسلمين يعيشون ذلك الغزو وأدواته وجنوده في كل لحظةٍ مِن ليلٍ أو نهارٍ.

ومِن أهم أسباب ضعف الممانعة المجتمعية: التضييق على دعاة الإسلام ورجاله أصحاب المنهج والفكر المعتدل، أنصار الثوابت الأصيلة، والحيلولة بينهم وبين التأثير في عقول وقلوب المسلمين، وإغلاق منافذ التوجيه، ومنابر التأثير، وأدوات الاتصال، في وجوههم!

مِن هنا؛ فإن السعي إلى إيجاد ممانعة مجتمعية حقيقية لابد أن يكون شاغل الدعاة والمصلحين، وأن يتحركوا على القاعدة العريضة للمجتمع مِن بسطاء ونخبٍ على السواء، وبكل الوسائل والسبل الممكنة والمتاحة؛ سواء بالاتصال المباشِر أم مِن خلال الخطاب الإعلامي المنضبط والمؤثر، أم بالوجود السياسي إن أتيح وتيسر، فمهمة الدعاة والمصلحين تقديم مفاهيم الدين نقية خالية مِن الانحراف العقدي أو التطبيقي ومبسطة ليفهمها الرجل البسيط والمتعلم على حد سواء.

والمسلمون في هذا العصر -وبخاصة الشباب منهم- بحاجة ماسة إلى توثيق صلتهم بربهم وبإسلامهم وبقرآنهم، إنهم بحاجة إلى تذكيرهم المستمر بأنفسهم وبأهدافهم وبوسائلهم، وتعريفهم على واجبهم تجاه أنفسهم وتجاه إخوانهم المسلمين، وتجاه البشرية القلقة الضائعة المعذبة التي تنظر لهم، وتنتظر ما عندهم مِن علاج.

إن المسلمين اليوم بحاجةٍ ماسةٍ إلى: تعريفهم على الأسس التي يوجدونها والمرتكزات التي يقيمونها، والمنطلقات التي ينطلقون منها، والبواعث التي يتحركون مِن خلالها، و"الثوابت" التي يلحظونها ويستحضرونها، ويصدرون عنها في كل لحظة، وفي كل لفظة، وفي كل خطوة، وفي كل خاطرة أو هاجس في ليلٍ أو نهارٍ، إنهم بحاجة ماسة لمعرفة هذه "الثوابت" واستمرار تذكرها ودوام استحضارها، لما يوجهه أعداء الإسلام في أساليبهم المختلفة لإزالة هذه "الثوابت" مِن تصور المسلمين أو زعزعة ثقتهم بها.