عِبَر من قصص الأنبياء (22)

  • 130

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

ب- يوسف -عليه السلام-:

تحتوي قصة يوسف -عليه الصلاة والسلام- على عِبر كثيرة جدًّا، وقد كتب الكثير مِن العلماء كتبًا خاصة فيها، منها كتاب العلامة "السعدي" صاحب التفسير، وسمَّى كتابه: "فوائد مستنبطة من قصة يوسف -عليه السلام-".

ومن العِبر والفوائد المهمة لحاضرنا: الاستفادة مِن قصة نجاحه -عليه السلام- في إدارة الدولة وإنقاذ  مصر مِن المجاعة، وقد توقف العلماء كثيرًا عند هذه النقطة لتأصيل جواز تولي الولايات العامة في الدول والأنظمة غير المسلمة لإقامة العدل والحق، ولو بشكل غير كامل؛ لقوله -عليه السلام-: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ . وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:55-56)، فهنا يوسف يطلب تولي إدارة الخزائن، والتي توازي وزارة المالية أو التموين اليوم، ولكن مع توليه هذه الولاية لم يكن يستطيع إقامة كل الحق والدين (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) (يوسف:76).

ويمكن أن نلخص نجاح منهجية يوسف -عليه السلام- في إدارة الدولة في نقطتين، هما: امتلاك الرؤية والحل لمشكلة المجاعة والجائحة المستقبلية، وتوفر الإمكانات والقدرات.

فامتلاك الرؤية والحل يتجلى بتأويل يوسف -عليه السلام- لرؤيا الملك كما في قوله -تعالى-: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ . ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ) (يوسف:47-48)، فلم يكتفِ يوسف -عليه السلام- بتفسير الرؤيا، بل أضاف لها تقديم رؤية للحل والعلاج، وأرشدهم ونصحهم كيف يواجهون الكارثة.

وتوفر الإمكانات والقدرات يعبّر عنه قوله -تعالى-: (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)، وهي الإمكانات المناسبة للعلاج ومواجهة الأزمة بالعلم، والذي تجلى في معرفته لطرق إدارة المخزون والمحافظة عليه والأمانة.

وهذا المنهج النبوي هو المنهج الأمثل في إدارة الدول، وهو الجمع بين الرؤية العلاجية السليمة والقدرات والإمكانات المناسبة مع الأمانة والاستقامة، وهي تلخص الحلقة المفقودة اليوم في إدارة كثيرٍ مِن الدول الإسلامية، والمتمثلة بغياب اجتماع رؤية للحل عند أهل الاستقامة والقدرات.

ومَن تأمل ودرَس تجربة رئيس الوزراء "مهاتير محمد" في ماليزيا، والرئيس "رجب طيب أردوغان" في تركيا، سيجد أن حجر الزاوية في نجاحهما هو امتلاكهما رؤية سليمة لعلاج أزمات وتحديات بلادهما، وتوفر قدرات قيادية مِن تخطيط ومتابعة ومثابرة، ومرونة، ومحاربة الفساد وتعظيم الأمانة.

أما في دول أخرى: فهناك عنصر مفقود؛ إما وجود كفاءات، لكنها تفتقد للرؤية بسبب أنها -غالبًا- مِن خارج إطار مؤسسات الدولة فلا تعرف كيف تدار الأمور؟ وما هي عيوبها ومواطن علاجها؟ وإما تتوفر رؤية وحلول جيدة، لكن ينقص القيادة المهارات القيادية اللازمة لتطبيقها، أو تكون منظومة الفساد أقوى، أو هناك نقص في الأمانة.

الخلاصة: نجاح منهج يوسف -عليه السلام- في الحكم -وقد تولى الحكمَ عدد مِن الأنبياء منهم يوسف وداود وسليمان ومحمد عليهم الصلاة والسلام- يقوم على امتلاك رؤية للحل، وقدرات للتنفيذ، والتحلي بالأمانة.