الدعوة والمجتمع

  • 156

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

ختمت المقالة السابقة بإشارة إلى ضرورةٍ أكيدةٍ لنا؛ أن يجمع كلٌّ منا بين نَفْعِ نَفْسِه ونَفْعِ الناس، وأن قيام أحدنا بأي دور -صغيرًا كان أم كبيرًا- في الاتجاه الصحيح هو أنفع لنا وللمجتمعات مِن إطلاق الآمال هنا وهناك.

ومِن المهم كذلك بعد تحديد الاتجاه الصحيح لهذا الدور الإصلاحي أن يكون مقداره متناسبًا ومتوازنًا؛ فمِن الأهمية بمكانٍ في العمل الجماعي أن تكون الجهود فيه مُنَسَّقة ومنَظَّمة لا يطغى فيه جانبٌ على آخر؛ فبهذا تتكامل وسائل الأدوار الإصلاحية وتتعاظم نتائجها.

وإذا سلَّمْنا اليوم بأن واقع المجتمعات لا يمكن إصلاحه في بضع سنين، وإنما قد يتطلب قرونًا مِن نصح المصلِحين وعملهم؛ فإنه إذًا مِن غير المعقول أن تتجافى جهودهم عن المواجع في المجتمعات، بل ينبغي أن لا تتأخر بدايتهم كثيرًا؛ وإلا ستصبح مهمتهم أصعب مستقبلًا.

ومهما كانت قدرات المرء منا أو خبراته فبإمكانه أن يوجِد لنفسه دَورًا في هذا المشروع الإصلاحي؛ لأنه متجه إلى الإنسان نفسه في الأساس، وفي حقيقة الأمر لا يشترط هذا المشروع -ولا الإنسان كذلك- ظرفًا زمانيًّا أو مكانيًّا معيَّنًا ليقوم كلٌّ منا بما في إمكانه نحو أيٍّ منهما.

إن العمل في المجتمع ومَعَه حياةٌ وبعثٌ لقضايا الأُمَّة فيه مرة أخرى، وحياةٌ أيضًا للفكرة الإصلاحية بنموها البشري والزمني، على مستوى الفرد أو المؤسسة أو البيئة، ومِن دَاخِلِه يستطيع حَمَلَتها بناء شراكات مع طوائفه وشرائحه التي تشكِّل دعمًا لرؤيتهم الإصلاحية.

وعبْر الانخراط في المجتمع سيتمكن المُصلِح مِن فهمٍ أعمق وأفضل لطبيعته والأشياء التي يتطلَّع إليها أفرادُه، وباتِّصاله المستمر بنُخَبه وأفراده سيقدِّم أجوبتَه نظريةً وعمليَّةً على الكثير مِن الأسئلة، التي وقفت حاجزًا عن إقدام الناس وإحجامهم يومًا ما.

وستكون الفرصة مواتية أيضًا لتطوير أولويات عمَلِه لتكون أكثر واقعيةً وجاذبيةً بالنسبة إلى احتياجاتهم العصرية، وذلك مِن خلال الاقتراب مِن حياة الأفراد اليومية وعدم ترك مجال للانطباعات المسبَقة.

وفي هذه المجتمعات التي تفرز للأمة القادة والأجيال سيطرح المُصلِح أُطُرًا إصلاحية، يستوعب فيها حماسة أفراده -وفي القلب منهم الشباب- في تعاونٍ على الخير معًا؛ بدلًا مِن تركهم فريسة لمحاولات طمس فطرتهم صباحًا ومساءً.

كل هذه الحاجات المأمولة والطاقات الموجودة تدفع إلى التأكيد على دورنا نحو المجتمع بالمشاركة في تنميته، وأنه مِن الطبيعي أن يتمتع المُصلِح بالمبادَرَة، ويذهب إلى الناس، ولا ينتظر أن يأتي إليه أحدٌ.

إننا أصحاب رؤية إصلاحية عظيمة، وهي الآن في أمس الحاجة إلى مَن يتعهدها بقوةٍ، وحياتها في أن تظل ضاربة بجذورها في المجتمع، وممتدة بأغصانها في ميادين الحياة إصلاحًا ونورًا (وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر).