هل عرفت طبيعة الطريق؟! (1)

  • 255

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الله -سبحانه- لم يجعل الدنيا دار إقامة، بل هي دار اختبار وبلاء، كما قال -تعالى-: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (الكهف:7)، فبها ما بها التعب والنصب، والفقد والمرض، هكذا قدَّر الله -سبحانه- ذلك اختبارًا لعباده على هذه الأرض، كما قال -تعالى- أيضًا: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة:155).

قال العلامة السعدي: "أخبر -تعالى- أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن؛ ليتبين الصادق مِن الكاذب، والجازع مِن الصابر، وهذه سنته -تعالى- في عباده؛ لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان، ولم يحصل معها محنة، لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير مِن أهل الشر.

هذه فائدة المحن، لا إزالة ما مع المؤمنين مِن الإيمان، ولا ردهم عن دينهم، فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين، فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده: (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) مِن الأعداء (وَالْجُوعِ) أي: بشيء يسير منهما؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله أو الجوع لهلكوا، والمحن تمحص لا تهلك" (تفسير السعدي باختصار).

وقال -تعالى- أيضًا: (لقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد:4).

والمقسَم عليه قوله: (لقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ)، يحتمل أن المراد بذلك ما يكابده ويقاسيه مِن الشدائد في الدنيا، وفي البرزخ، ويوم يقوم الأشهاد، وأنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه مِن هذه الشدائد، ويوجب له الفرح والسرور الدائم. وإن لم يفعل، فإنه لا يزال يكابد العذاب الشديد أبد الآباد. (ينظر تفسير السعدي).

وغير ذلك مِن الأدلة، وانما أوردنا هذه الأدلة حتى نوضِّح ونبيِّن لمَن ربما غفل أو جهل طبيعة هذا الطريق، وطبيعة الحياة الدنيا؛ فأصابه ما أصابه فيها مِن اليأس والقنوط، أو التحسر الدائم بلا عملٍ ولا جدٍّ.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.