فيلم "الساعات الأخيرة" المذاع على قناة الجزيرة

  • 566

(حقائق - اعترافات - تساؤلات)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مدخل:

قامت قناة الجزيرة بإنتاج فيلم وثائقي يؤرِّخ للفترة الأخيرة التي عاشتها جماعة الإخوان في قصر الرئاسة، وأسمته: "الساعات الأخيرة: كيف أدار السيسي لعبة الخداع الإستراتيجي ضد مرسي؟!".

وكعادة أفلام الجزيرة، قد يُعجبك منها مستوى الحرفية ومهارة الأداء، لكنك تتوقف طويلًا أمام الأمانة والمصداقية؛ فغالب ما تنتجه الجزيرة موجه ومنحاز، ولكنها تعتمد على الإخراج المتقن الذي يصرف نظر المشاهد عن التفكير في المضمون.

وفيما يلي تعليقات سريعة على ما ورد بالفيلم:

لا جديد تحت الشمس:

مَن يشاهد الفيلم حتى نهايته يصاب بخيبة أمل كبيرة، فالفيلم لم يأتِ بجديد يُذكر، ولم يكشف أسرارًا تؤثر في فهم الموضوع أو تؤدي إلى تغيير القناعات بشأن ما جرى، والعنوان الضخم الذي اختارته الجزيرة أكبر بكثير مما جاء في محتوى الفيلم ووقائعه، حتى إن الكلمة التي ألقاها الدكتور مرسي مِن استديو دار الحرس الجمهوري -وهي كلمة لم تُنشر مِن قبْل- لم ينقل لنا الفيلم منها شيئًا يُذكر.

وقد استعار الفيلم لفظًا عسكريًّا وهو "الخداع الإستراتيجي" وكرره الفيلم عدة مرات على لسان متحدثيه، ليوهم المشاهد أن القضية كانت كبيرة ومعقدة، وأنهم -أي الإخوان- وقعوا ضحية مؤامرة ضخمة أدارها رجل عسكري مستخدمًا أداة عسكرية عادة ما تُستعمل في الحروب، وهي "الخداع الإستراتيجي"، بينما كان الجميع يشاهد الإجراءات ويعرف ما ستؤول إليه مِن نتائج، عدا الجماعة التي لم تكن واعية بما يدور في الشارع، ولا مدركة لما يجري في أروقة الدولة، ولكنَّ الفيلم يسعي لاستجلاب تعاطف المشاهد عن طريق تضخيم حجم "الخداع" الذي تعرضتْ له الجماعة مِن السيسي مع إهمال حالة "العناد" و"الثقة المفرطة" التي كانت عنوانًا لتعامل الجماعة مع الأحداث في تلك الفترة.

أبطال الفيلم:

بنظرة تحليلية إلى الشخصيات التي قام عليها الفيلم ستجد ما يلي: ثلاث شخصيات إخوانية معروفة؛ وهم: خالد القزاز "مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية"، وقد احتل مساحة كبيرة من الحديث. وعمرو دراج "وزير التخطيط والتعاون الدولي وعضو مكتب الإرشاد"، ويحيى حامد "وزير الاستثمار". وشخصية عربية رسمية وهو خالد العطية "وزير الدفاع القطري ووزير الخارجية الأسبق". وشخصية أمريكية وهو أندرو ميلر "عضو مجلس الأمن القومي السابق".

فبالنظر إلى الشخصيات المصرية لا تجد جديدًا لا في المعلومات ولا في الطرح، فالشخصيات الثلاثة ينتمون إلى الجماعة، وقد أدلوا بآرائهم فيما حدث عدة مرات قبل ذلك على القنوات التابعة للجماعة وعلى الجزيرة نفسها، وبالتالي فالنتائج كما هي؛ لأن الفيلم لم يعرض وجهة نظر أخرى معارضة لرأي الإخوان حتى تتم المقارنة.

رغم وجود عددٍ كبيرٍ مِن الشخصيات الإخوانية سواء داخل قطر أو خارجها إلا أن التقرير اقتصر على ثلاث شخصيات تتسم بالهدوء في الطرح، وموقفهم المعلن مِن النظام فيه قدر مِن المرونة عن غيرهم، فـ"عمرو دراج" -على سبيل المثال- ظل سفير التواصل بين الجماعة وبين النظام حتى فض رابعة، وكان رأيه في "عبد الفتاح السيسي" أنه مِن أعقل قادة المجلس العسكري وأبعدهم عن التورط في الدماء، وأنه لم يكن مؤيدًا لفض اعتصام رابعة بالقوة، على خلاف ما يشاع، وقد ذكر ذلك في حوار على قناة الجزيرة أيضًا!

كما أن الفيلم قد تجاهل ذكر شخصيات مهمة من مكتب الإرشاد لم يكن لها مناصب رسمية داخل الرئاسة، ولكنها كانت ضلعًا رئيسًا في الأحداث، وأشهر مثال على ذلك: هو المهندس خيرت الشاطر الذي كان يحضر المقابلات مع "السيسي" في الأيام الأخيرة، فحكاية التاريخ بهذه الطريقة مجتزأة ومبتورة، ولا تعطي صورة حقيقية وصادقة عما كان يجري.

أما الشخصية القطرية: فقد كان المسئول القطري المذكور على تواصلٍ دائمٍ مع الدكتور مرسي، وذكر أنه كان يشتكي له من الصعوبات التي يواجهها في الحكم، وغير ذلك، وبالتالي فالفيلم يثبت العلاقات القطرية الإخوانية الخاصة التي كانت ظاهرة وقت حكم الجماعة لمصر -وما زالت مستمرة حتى الآن-، وتجاهل الفيلم عن عمدٍ ذكر الدور الذي قامت به المملكة العربية السعودية في مجريات الأحداث، خاصة وأن الجماعة تتهم الملك عبد الله والنظام السعودي بأنه الداعم الأول للانقلاب، ولولا دعمه المادي -على الأقل- لما سقط الإخوان! فكان هذا التجاهل مُستغربًا!

التواصل مع الإدارة الأمريكية:

الشخصية الأمريكية التي وردتْ في الفيلم تُعد مِن الذين يرون أن ما تم مع الدكتور "مرسي" انقلاب عسكري، وقد اضطرب الفيلم جدًّا في تحديد حقيقة الدور الأمريكي مع الأزمة، فـ"ميلر" يسعى لإثبات أن المجلس العسكري لم يكن يتحرك خطوة إلا بعد أن يخبر بها الأمريكان، وأن السفيرة الأمريكية كانت على علمٍ بكل ما يجري، وكانت تعرف بالانقلاب قبل وقوعه، وهكذا، وفي الوقت نفسه اعترف الفيلم أن الأستاذ "عصام الحداد" كان هو الآخر على نفس الدرجة مِن التواصل اليومي مع الإدارة الأمريكية، وبالتالي فشل الفيلم في إثبات تهمة عمالة العسكر للأمريكان؛ لأن الحقيقة أن الإدارة الأمريكية كانت على تواصلٍ دائمٍ مع الطرفين، بل كان دورها سيئًا مع كلٍّ منهما، حيث كانت تهدف إلى إطالة أمد الصراع لأطول فترةٍ ممكنةٍ، يصل فيها الطرفان إلى درجةٍ مِن الإنهاك لا يحتملون معها إلا تنفيذ الأوامر فقط.

أما بخصوص التواصل مع الأمريكان فلو تم عدها في سجل التهم، فرصيد جماعة الإخوان مِن ذلك غير مشرِّف للأسف، فقد استنجدت منصة رابعة بالأمريكان صراحة وقالت بالإنجليزية: "حررينا يا أمريكا!"، وعندما أشاعت المنصة أن الأسطول السادس الأمريكي يقف قبالة الشواطئ المصرية استعدادًا لتحرير الرئيس الشرعي ضج الميدان بالتكبير! وصور الوفود الإخوانية الرسمية مِن داخل الكونجرس وهم يحملون العلم الأمريكي أشهر مِن أن يستدل عليها، بل إن بعض ظرفائهم قد ارتدى رابطة عنق "كرافتة" مرسومة بالعلم الأمريكي!

إراقة الدماء واضطرابات سيناء:

ذكر الوزير القطري أن الدكتور مرسي كان قلقًا للغاية مِن مسألة إراقة الدماء، وهذا جيد، ولكن لماذا لم يطبِّق الرئيس ذلك بشكلٍ عمليٍ حتى يحقن الدماء على الحقيقة؟!

- لماذا قال على الملأ: "الشرعية ثمنها رقبتي!"؟!

- ولماذا قال أنصاره على منصة رابعة: "اللي يرش مرسي بالمية نرشه بالدم!"؟!

- ولماذا قال الدكتور صفوت حجازي: "لو وزير الداخلية راجل بصحيح ييجي يفض رابعة، لكنه مش راجل، وأنا بقوله: استرجل وتعالى!"؟!

- ولماذا حرصت الجماعة أن تدشن مشروع: "100 ألف شهيد" مِن الشباب الصغير غير الواعي بحقائق الأمور؟!

- ولماذا حرضت الجماعة الناس على أن يواجهوا الموت بصدورهم طالما كان هناك قلق مِن إراقة الدماء؟!

- وهذا في الحقيقة تزوير واضح للتاريخ اعتادت عليه الجماعة، وهنا مكمن الخطورة، فمع أن الأحداث لم يمر على انتهائها عشر سنوات؛ إلا أن الجماعة بدأت في غسل يدها مِن أنهار الدماء التي تسببت في إراقتها، بل حرضت -وما زالت- على إراقة المزيد منها، ومَن يتتبع سلوك الجماعة عبر تاريخها يجد أنها لم تعتذر عن أفعالها قط، ولم تقدِّم مراجعات فكرية أبدًا، ولكنها تعود بروح مسالمة ظاهريًّا، ونفس مشتعلة بالثأر والرغبة في الانتقام داخليًّا، ويبقى الفكر والمنهج على ما هو عليه بلا تراجع أو تعديل.

كما أن الفيلم ذكر الحوادث التي تحدث في سيناء، وقال الوزير القطري: إن الدكتور "مرسي" أخبره بأن لديه معلومات بشأن تورط دولة خليجية في إدخال كميات كبيرة مِن السلاح إلى سيناء بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي، ومما يعكر على مصداقية هذه المعلومة أن قطر هي التي تحتكر هذا الدور بالفعل، وملف التواصل مع الجماعات الجهادية حول العالم هو مِن المهام التي تخصصت فيها قطر، خاصة مِن بعد تأسيس قناة الجزيرة، التي كانت تتمكن مِن تسجيل الحوارات مع رموز القاعدة في جبال أفغانستان وكهوفها!

ومما يعكِّر على ذلك أيضًا: التصريح الشهير للدكتور البلتاجي الذي قال فيه: "في اللحظة التي يعود فيها الدكتور مرسي إلى الحكم، تتوقف فيها العمليات في سيناء فورًا!".

كيف تلقى الدكتور مرسي بيان العزل:

ذكر القزاز أن سلوك الدكتور "مرسي" قد تغيَّر تمامًا بعد سماع بيان عزله يوم الثالث مِن يوليو، وعندما حان وقت الصلاة، تنحى الدكتور مرسي عن الإمامة لأول مرة منذ أن تولى الرئاسة. وقال القزاز: "وكأن هذا فيه إشارة إلى نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة!"، وذكر أنهم ذهبوا إليه صباح اليوم التالي في مسكنه داخل دار الحرس الجمهوري ليتناولوا معه طعام الإفطار، فقال لهم: إنه لأول مرة يتمكن مِن النوم لساعاتٍ متواصلةٍ لشعوره بالتخفف مِن أعباء المسئولية!

والسؤال هنا: إذا كان الدكتور مرسي استوعب الوضع الجديد، وترك إمامة الصلاة إشارة إلى أنه لم يعد إمامًا للأمة -رغم أن المتفق عليه أنه رئيس بالمعنى السياسي وليس إمامًا بالمعنى الشرعي-:

- فلماذا قاتلت الجماعة بعده قتالًا مريرًا مدعية أنهم سيستردون الشرعية المسلوبة؟!

- وكيف يخدعون ملايين البسطاء بشيءٍ هم قد تخلوا عنه على الحقيقة؟!

- ولماذا تطالبنا الجماعة ببذل أنفسنا وأرواحنا فداء للشرعية، وصاحبها الأول قد تنازل عنها من ساعتها؟!

- ولماذا أخفت الجماعة هذه المعلومة عن الناس طوال السنوات الماضية؟!

- ولماذا تلاعبت الجماعة بمشاعر البسطاء والعوام وأوهمتهم أن النظام يترنح، وأن جهادهم في الميادين هو الذي سيعيد الدكتور مرسي إلى منصبه؟!

ولكننا أيضًا: لا ننسي التصريح الخطير الذي قاله الدكتور "حمزة زوبع"؛ فقد أفصح عن عقلية الجماعة في إدارة المعركة، وقال بكل وضوح: "إن الاعتصامات والمظاهرات لن تعود بالسيد الرئيس إلى منصبه، وأن الزمن تجاوز ذلك بالفعل، لكن غاية ما هنالك أن هذه المواجهات مِن شأنها أن تُحسّن شروط التفاوض عندما تجمعهم طاولة واحدة!".

فيا أيها المضحي بنفسه في ساحات الوغى...

دمك الغالي لا يعدو أن يكون ورقة تفاوض رخيصة تستخدمها الجماعة في المفاوضات "السياسية"...

وعنفك الذي تعده جهادًا في سبيل الله تسعى الجماعة لإشعاله حتى يفتح لها طرقًا "سلمية" للحوار!

وهذه هي الحقيقة المؤلمة التي نطقت بها الجماعة مرارًا ولكننا ننسى سريعًا!

الموقف مِن الدكتور "البرادعي":

امتدح الفيلم الدكتور البرادعي على لسان وزير الدفاع القطري -رغم أن البرادعي رفض التسجيل معهم-؛ إلا أن المُشكل الأكبر هو أن البرادعي -وفقًا لتصنيف الإخوان- أحد شركاء الانقلاب على الدكتور مرسي، بل أحد صناعه، فالبرادعي لم تقتصِر مشاركته في الأحداث على حضور اجتماع الثالث مِن يوليو، لكنه كان أحد أبرز وجوه جبهة الإنقاذ التي قادت الحراك ضد الدكتور مرسي؛ فكيف نفهم ذلك الأمر، وتحت أي إطار يُمكن أن نُفسِّر هذا السلوك؟!

خطاب الشرعية:

عقدت القوات المسلحة ندوة تثقيفية في 23/6، ثم أمهل السيسي جميع الأطراف المهلة الأولى، حتى تتاح الفرصة للحكومة والمعارضة لحل الخلافات على مائدة التفاوض والحوار، وأعقب ذلك الخطاب المطول للدكتور مرسي في 26/6 الذي كان أداء الرئيس فيه سيئًا للغاية، وتم التعرض لأسماء بلطجية في المنصورة، وموقف عن كمال الشاذلي، ومدح للقوات المسلحة، وأن فيها "رجالة زي الذهب"، وأشار على السيسي، وهتف أنصاره بالهتاف الشهير: "الجيش والشعب إيد واحدة".

كما أشار فيها إلى مبادرة حزب النور دون أن يذكر اسمه، فقال: "مبادرة قُدِّمتْ لي مِن بعض الأحزاب، فوافقتُ عليها وقلت نمشي فيها". والحقيقة أن مبادرة حزب النور كانت في بداية العام بينما كان هذا الخطاب في منتصفه! وبالتالي جاء الخطاب صادمًا للجميع؛ مما أدَّى إلى اشتعال الأحداث أكثر.

موقف "حزب النور":

كما جاء ذكر حزب النور تصريحًا مرة واحدة على لسان القزاز، عندما ذكر خبر اجتماع الدكتور مرسي مع الأحزاب والكيانات المؤيدة له مساء يوم الثلاثين مِن يونيو، وأن الرئيس عرض عليهم الخطة التي قدمها السيسي كرؤية لحل الأزمة، وأن جميع الكيانات رفضت رؤية السيسي للخروج مِن الأزمة، إلا حزب النور الذي أبدى انزعاجه مِن هذا الرفض ثم وافق في النهاية.

والإنسان يعجب مِن القدرة الفائقة لجماعة الإخوان على الكذب والتزييف وقلب الحقائق رغم وجود باقي الأطراف على قيد الحياة، والحاصل أنه كان هناك اجتماع بين مرسي والسيسي في يوم 29/6، وقد طرح السيسي صورة الاتفاق الذي يمكن أن يحل الأزمة وقتها، وهي صورة لم تبعد كثيرًا عن الرؤية التي سبق وأن طرحها حزب النور أيضًا، فرد مرسي على السيسي وقال له: "دعني أراجع القوى المؤيدة لي قبل أن أرد عليك"، وبالتالي جمع الدكتور مرسي الأحزاب الإسلامية وأعضاء مِن جماعة الإخوان لمناقشة رؤية القوات المسلحة لحل الأزمة.

فما كان مِن الجميع إلا أن طمأنوا الرئيس بأن الأمور على ما يرام، وأن الشعب كله مؤيد له، وأن 30/6 ما هو إلا فقاعة جوفاء، وأن شعبيته في ازديادٍ!

وأجمعوا على رفض مبادرة القوات المسلحة، ولكن ممثل حزب النور في هذا الاجتماع وهو المهندس "جلال مرة" سعى جاهدًا في إشعار الناس بالأزمة، ونقل لهم صورة صادقة مِن غليان الشعب، وبذل وسعه في إقناعهم بضرورة تقديم تنازلات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، ولكن كان القوم قد حسموا أمرهم -ولا حول ولا قوة إلا بالله-، فأعاد عليهم "المهندس جلال" موقف الحزب الرافض للحشد والحشد المضاد، ورفض إدارة المشهد عن طريق الشوارع والميادين، ورفض تبسيط الأمور وتهميش آثارها، وانفض الاجتماع على ذلك.

- فهل يُسمَّى حزب النور بذلك موافقًا؟!

- ويا تُرى مَن الذي كان ناصحًا للرئيس وجماعته وقارئًا للمشهد بدقة: حزب النور؟ أم باقي الكيانات والأحزاب التي ركبت مع الإخوان قطار الصدام؟!

وها هم الآن يحاولون القفز منه والتبرؤ مِن تبعاته كما هو الحال مع الجماعة الإسلامية، وغيرهم ممَن خرج من عباءة تحالف دعم الشرعية؟!

- وهل كان مِن الحصافة السياسية رفض مبادرة القوات المسلحة وهي الوحيدة التي كان بإمكانها جمع المعارضة وتهدئة الأوضاع، حتى يتم الخروج مِن الأزمة بأقل خسائر ممكنة؟!

مظاهرات 30/6 والانقسام المجتمعي:

اعترف القزاز بأن عدد الناس الذين تظاهروا في الثلاثين مِن يونيو ضد الدكتور "مرسي" كان  كبيرًا، ولأول مرة يأتي ذكر كلمة "المطالب المشروعة" مع هذه المظاهرات، والسؤال هنا: هل اكتشفت الجماعة الآن وهي تُعد الفيلم أن الأعداد في ذلك اليوم كانت كبيرة؟! بالطبع لا، إذًا فلماذا العناد والإصرار على الإنكار في أن مَن نزل في ذلك اليوم ما هم إلا مجموعة مِن البلطجية والمأجورين؟! إن الاعتراف بانقلاب الشعب ضد الدكتور مرسي وجماعته كان حجر الزاوية في تقييم الأحداث والتعامل معها، فانقلاب الشعب هو الذي أتاح للمؤسسات أن تستكمل باقي أجزاء المشهد، فلماذا لم تراعِ الجماعة هذا الأمر في اتخاذ قراراتها؛ حرصًا على سلامة الوطن ومنعًا لتفككه؟!

وقد اعترف القزاز أيضًا بأنه كان هناك انقسام في الشارع المصري، وأن فشل الحكومة في إدارة أزمات الكهرباء والوقود كان أحد البواعث على خروج المتظاهرين:

- فلماذا تم تخوين حزب النور عندما نصح الرئيس أن يراعي هذه المتغيرات ويضعها في حسبانه؟!

- ولماذا تكابر الجماعة في قبول النصيحة مهما كانت منطقية أو موضوعية؟!

- أبعد كل هذه السنين يأتي مساعد الرئيس ليعترف أن الشارع كان منقسمًا وأن الناس كانت ناقمة؟!

المهلة الثانية:

مرَّت مظاهرات 30/6 دون تقديم أي تنازلٍ مِن جانب الإخوان وانتهت المهلة الأولى، وأذاعت القوات المسلحة نبأ المهلة الثانية في 1/7، وذكر الفيلم أن مرسي عنَّف السيسي بشدة على هذا البيان، وقبل انتهاء المهلة بيوم وافقت الجماعة لأول مرة على فكرة تغيير رئيس الوزراء، واستبداله بآخر سواء أكان مدنيًا أم عسكريًا، ولكن كان القطار قد تحرك، وسقف المطالب قد ارتفع، وما كان مقبولًا بالأمس لم يعد مقبولًا اليوم، وجاء يوم 3/7 وألقى فيه السيسي بيان تعطيل العمل بالدستور بشكلٍ مؤقتٍ، وهو ما سمّي بـ"بيان العزل".

- اعترف "عمرو دراج" بأن الجماعة لم تُحسن قراءة وفهم المهلة الأولى التي أطلقها السيسي وكان مدتها (7 أيام)، ولم تستوعب كذلك المهلة الثانية والتي كان مدتها (يومين)، وظنت أن القوات المسلحة توجِّه رسالتها إلى المعارضة، بل ونظرتْ إلى خطة انتشار القوات المسلحة لحماية المنشآت الحيوية أنها بغرض التأمين مِن مظاهرات المعارضين للرئيس!

ورغم أن هذا أمر يصعب تصوره للغاية، حيث كانت المؤشرات كلها تنبئ بأن الأجواء ليستْ على ما يرام، إلا أنه على فرض صحته:

- لماذا تُحملنا الجماعة ضريبة سذاجتها السياسية، وهي التي تتغنى بالحصافة والخبرة في هذا الباب؟!

- وإذا كانت تجربتها القصيرة في الحكم تنقسم ما بين خطأ في الحسابات، وسوء تقدير للمواقف، وفشل في إدارة الأزمات؛ فبأي وجه ترغب في الاستمرار في إدارة شئون البلاد؟!

- وإذا كان عجزها عن ذلك ظاهرًا للجميع فهل مِن الأمانة أن تنقل هذه المعركة إلى الشوارع والميادين، وتطالب الشعب الأعزل أن يتصدى بنفسه فيما فشلوا هم في إدارته تحت زعم حماية الشرعية، والحفاظ على المسار المنتخب؟!

أحداث دار الحرس الجمهوري:

ذكر الفيلم أن الرئيس كان محتجزًا بمسكنه داخل دار الحرس الجمهوري، وما أن علم أنصاره في ميدان رابعة أنه هناك، فتوافدوا على الحرس الجمهوري ليقفوا وقفة احتجاجية أمامه، فتصدتْ لهم القوات، وأسفر هذا الحدث عما سمي بـ"مجزرة الحرس الجمهوري"، وتم نقل الرئيس بطائرة هليكوبتر إلى مكانٍ آخر.

وبالطبع فإن الأحداث لم تتم بهذا الاختزال المخل الذي يرويه الفيلم؛ فالذي تم تسريبه مؤخرًا هو أن الدكتور "مرسي" نجح وهو داخل مسكنه بدار الحرس أن يحصل على هاتفٍ مِن أحد الحراس، واتصل بقيادة الإخوان، وأخبرهم بمكانه، وذكر لهم أن الحراسة الموجودة معه ضعيفة ومحدودة، وأنه إذا جاءت أعداد كبيرة فإنهم سيتمكنون بسهولة مِن اقتحام الدار واختطاف الرئيس ونقله لميدان رابعة، وبذلك تفشل خطة الانقلاب.

لذا أعلنتْ "منصة رابعة" بشارة عودة الدكتور مرسي وقالت: "بكرة حيحصل حاجة، ويوم السبت مرسي معانا"، والحاجة المرادة هنا هي اقتحام دار الحرس الجمهوري، وبالتالي تجمعت أعداد كبيرة مِن المتظاهرين وتوجهوا إلى دار الحرس الجمهوري بهدف حصاره ثم اقتحامه، واستمرّت الأعداد في ازدياد طوال اليوم، وعند الفجر حدثتْ مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وبين القوات التي تحرس الدار، استخدمت فيها الذخيرة الحية، وفشلت محاولة اقتحام الدار، وتم نقل الدكتور مرسي بعدها إلى قاعدة عسكرية في منطقة "أبو قير" بمدينة الإسكندرية، ومِن ثَمَّ فمعرفة هذه التفاصيل الدقيقة ضروري في التوثيق الأمين للتاريخ، ومهم في بناء التصورات وتكوين القناعات.

ومما يؤسَف له أن الفيلم لم يكن أمينًا في عرضه للواقعة، ولا لأسبابها، وإنما سلّط الضوء فقط على نتائجها -وهي مؤلمة بالطبع-؛ لما فيها مِن قتلٍ ودماءٍ، ولكن عزل النتائج عن مقدماتها تزوير فج لوقائع التاريخ!

وقد كان مِن المتوقع أن يستفيض الفيلم في سرد وقائع اعتصام "رابعة" وما دار فيه، ولكنه أشار إليه في ختام الفيلم فيما لا يتجاوز الدقيقة الواحدة، وأشار إلى كونه نهاية مأساوية للقصة التي بدأها الفيلم.

ولأننا نكتفي بالتعليق على الأحداث التي وردتْ بالفيلم دون إنشاء كلام مِن البداية، فسوف نكتفي بذلك على أن نتناول حادثة فض رابعة بدراسة مستقلة في موطن آخر -بإذن الله-.