مبدأ المساواة وعدم التمييز

  • 2062

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الأولى على أن: "جميع الناس يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وُهِبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضًا بروح الإخاء".

ونصَّ في مادته الثانية على أن: "لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز مِن أي نوع".

وإذا كانت الدول تتحفظ على بعض ما يرد بالمواثيق الدولية مما يخالف دينها وعقيدتها، وكلٌ يؤخذ مِن قوله ويُترك، إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالمساواة المقصودة هنا هي "العدل"، وليست المساواة المُطلقة، كالمساواة بين الذكر والأنثى في الميراث مثلًا.

التعريف بمبدأ المساواة وعدم التمييز:

يُقصد بمبدأ المساواة أمام القانون، خضوع كافة المراكز القانونية المتماثلة لمعاملة قانونية واحدة، على نحوٍ يتناسب بطريقة منطقية، وفقًا للهدف الذي توخاه القانون.

ويتحقق المبدأ بتقرير معاملة قانونية مختلفة للمراكز القانونية المختلفة، أو بسبب المصلحة العامة، إذا كان ذلك كله مُتفقًا مع الهدف الذي توخاه القانون.  

وقد استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا في مصر على أن المساواة كضمانٍ دستوري ليست مساواة حسابية، بل يملك المشرع بسلطته التقديرية، ولمقتضيات الصالح العام، وضع شروط موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون.

(القضية رقم 50 لسنة 21 ق دستورية - جلسة 12 مايو 2002، الدكتور مصطفى أبو زيد فهمي - الدستور المصري فقهاً وقضاءً - دار المطبوعات الجامعية - طبعة 1996، الدكتور أحمد فتحي سرور - مبدأ المساواة في القضاء الدستوري - مجلة المحكمة الدستورية العليا - العدد الثاني - إبريل 2003).

ويرتكز مضمون المساواة على ثلاث ركائز:

- مساواة الجميع في المعاملة القانونية.

- دون أن تكون محض مساواة حسابية.

- مع إمكان التمييز في المعاملة وفقًا لأسبابٍ موضوعية منطقية.

ويُلاحظ أن المساواة في المعاملة القانونية التي تستند إلى الأسباب الموضوعية المنطقية التي تقوم عليها المراكز القانونية، تعنى أنها لا تتفق مع التحكم، فالتمييز المنهى عنه هو المعاملة التحكمية.

(القضية رقم 31 لسنة 17 ق دستورية - جلسة 2 يناير 1999، 195 لسنة 20 ق دستورية - جلسة الأول مِن يناير 2000).

وقد اعتنقت المحكمة الدستورية العليا في مصر ذات المعيار، بأن صور التمييز -وإن تعذر حصرها- هي وحدها التي يكون قوامها كل تفرقة، أو تقييد، أو استبعاد ينال بصورة تحكمية مِن الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وقالت إن التمييز المخالف لمبدأ المساواة هو الذي يكون تحكميًّا، لا يستند إلى أسبابٍ موضوعيةٍ تبرره.

(القضية رقم 193 لسنة 19 ق دستورية - جلسة 6 مايو 2000).

وذلك باعتبار أن كل تنظيم تشريعي ليس مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها مِن ورائه، فإن صادم النص التشريعي بما انطوى عليه مِن التمييز هذه الأغراض كان تحكميًّا.

ويجب أن يعكس الهدف مِن القانون الذي يبرر التمييز في المعاملة حماية مصلحة مشروعة، وإلا كان التمييز منطوياً على إخلال بمبدأ المساواة.

وتتحدد المراكز القانونية إما بالنظر إلى الدستور، أو بالنظر إلى القانون؛ فقد يحدد الدستور بعض المراكز القانونية المختلفة، وينص في ذات الوقت على معاملة مختلفة لها عن سائر المراكز القانونية.

مثال ذلك في الدستور المصري: رئيس الجمهورية (المادة 145) وعضو مجلس النواب (المادة 109) والوزير (166)، فقد ميَّز الدستور بينهم وبين المواطنين فيما يتعلق بحق الملكية، وحق التعاقد.

وما دام الدستور قد حدد المراكز القانونية المختلفة، يكون قد وضع الشروط الموضوعية التي تتفق مع هذا الاختلاف، ويكون قد قرر لها المعاملة المختلفة لتحقيق مصلحة عامة تتفق مع الهدف الذي توخاه الدستور.

وقد يُحدد المشرع المراكز القانونية المختلفة التي يُقرر لها معاملة مختلفة، ومِن قبيل ذلك في مصر التمييز بين المستأجرين لغرض السكنى، وبين سواهم في صدد الإعفاءات مِن الضريبة العقارية.

أما عن معيار المصلحة العامة فقد قضت المحكمة الدستورية العليا بأن قصر التنظيم الخاص بدعوى الصلاحية على رجال السلطة القضائية دون غيرهم مِن المواطنين، قد اقتضته أغراض المصلحة العامة.

المساواة وعدم التمييز في الدستور المصري:  

نص الدستور المصري في المادة رقم 53 على رفض كافة أشكال التمييز بين المواطنين، واعتبره جريمة يُعاقب عليها القانون -لم يصدر بعد- وألزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكاله، وأناط بالقانون -لم يصدر بعد- إنشاء مفوضية مُستقلة لهذا الغرض.

 "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العِرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سببٍ آخر.

التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون:

"تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظِّم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".

كما نصت ديباجة الدستور على أن: "... نكتب دستورًا يحقق المساواة بيننا في الحقوق والواجبات دون أي تمييز".

ونص الدستور في الفقرة الأولى مِن المادة الأولى على أن مصر: "نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون".

وفي المادة الرابعة: "... ويصون وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل، وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك على الوجه المبين في الدستور".

وفي المادة التاسعة: "تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز".

وفي المادة 14: "الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة".

وفي المادة 19: "التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية... وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز".

وفي المادة 65: "حرية الفكر، والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".

وفي المادة 92: "الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا، ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها".

وفي المادة 94: "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة. وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء وحصانته وحيدته- ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات".

وفي المادة 95: "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون".

وفي الفقرة الأولى مِن المادة 96: "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه".

وفي المادة 99: "كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر.

وتكفل الدولة تعويضًا عادلًا لمن وقع عليه الاعتداء، وللمجلس القومي لحقوق الإنسان إبلاغ النيابة عن أي انتهاك لهذه الحقوق، وله أن يتدخل في الدعوى المدنية التبعية منضمًا إلى المضرور بناءً على طلبه، وذلك كله على الوجه المبين بالقانون".

المساواة وعدم التمييز في المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية:

نصت ديباجة الدستور المصري على أن: "نكتب دستورًا يفتح أمامنا طريق المستقبل، ويتسق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي شاركنا في صياغته، ووافقنا عليه".

ونص الدستور في المادة 93 على أن: "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تُصدق عليها مصر، وتُصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة".

وفي الفقرة الأولى مِن المادة 151: "يمثِّل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور".

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

نصت المادة السابعة مِن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: "الناس جميعًا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية مِن أي تمييز ينتهك هذا الإعلان، ومِن أي تحريض على مثل هذا التمييز".

كما نصت المادة 19 على أن: "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الأخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود".

ونصت المادة 21 على أن:

1- لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.

2- لكل شخص بالتساوي مع الأخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده.

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:

أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فقد نص في المادة 26 على أن: "الناس جميعًا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساوٍ في التمتع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة مِن التمييز لأي سببٍ... ".

العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

أما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد نص في المادة السادسة على أن: "تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل، الذي يشمل ما لكل شخص مِن حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق".

ونص البند "ج" مِن المادة السابعة على: "تساوى الجميع في فرص الترقية داخل عملهم إلى مرتبة أعلى ملائمة، دون إخضاع ذلك إلا لاعتباري الأقدمية والكفاءة".

خطر ثقافة التعميم:

إن كثيرًا مِن الآراء التي تتشكل منها مواقف البعض تجاه "الإسلاميين" أو "السلفيين" قائمة على ملاحظات عامة، ومشاعر انطباعية، وأفكار مُعلبة، مما يؤدي إلى التعميم الخاطئ الذي يُمثِّل عبئًا على التحليل الموضوعي، قال الله -تعالى-: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور:21)، وقال: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (النجم:38).

إن التعميم في غير موضعه عيب مِن عيوب التفكير.

قال الله -تعالى-: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) (آل عمران:75)، وقال: (لَيْسُوا سَوَاءً) (آل عمران:113).

هل كل هذا الطيف الواسع داعش والقاعدة؟

وهل بعد ذلك يستمر التمييز ضد الإسلاميين، مِن غير تيار العنف والتكفير، والتحريض عليهم بحجة موقفهم مِن غير المسلمين، والخلط بين الاعتقاد والمعاملة، أو بدعوى عدم الوقوف للسلام الوطني، أو مصافحة النساء، أو التمسك باللحى، ونحو ذلك؟

فلا تمثيل لهذه الشريحة العريضة مِن المجتمع بمؤسسات الدولة، الجيش، والشرطة، والمستويات العليا مِن السلطة التنفيذية، والسلك الدبلوماسي، والأكاديمي، والقضاء، والإعلام، إلخ.

وكم يعاني أفراد هذا التيار مِن التقارير الإعلامية والأمنية والإدارية في مجال الأعمال العامة والخاصة، والتجارة، وعدم الترقية للوظائف القيادية المستحقة، حتى وصل الأمر إلى رفض إسناد وظيفة "مأذون" إلى أحدهم بسبب تقرير!

متى يدرك المجتمع أنه لا تعارض بين مكافحة الإرهاب، ومكافحة التمييز ضد الإسلاميين؟!

إن القوة والأمانة مِن أهم معايير تولى الوظائف العامة، ولا يمكن لسياسة صائبة، أو مجتمع يتقدم أن يتبنى هذه الصور مِن التمييز.