عاجل

سيد الأيام بين تعظيم السلف وتفريط الخلف

  • 303

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

الغرض من الموعظة:

- التحذير مِن ظاهرة التفريط والتساهل في الواجبات والآداب المتعلقة بيوم الجمعة.

المقدمة:

- الإشارة إلى تفريط الكثير من الناس في حق الواجبات والآداب لسيد الأيام، وجعله يومًا للنوم والكسل واللهو.

- إثارة النفوس بذكر بعض صور تعظيم السلف ليوم الجمعة في المقدمة مِن باب: "أين نحن من هؤلاء؟": قال النيسابوري في تفسيره: "وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر غاصة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج!".

وقال عقبة بن علقمة: "دخل الأوزاعي المسجد يوم الجمعة، فأحصيت عليه قبل خروج الإمام صلاته أربعًا وثلاثين ركعة كان قيامه وركوعه وسجوده حسنًا كله!" (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 1/218)، وعن عباية بن رفاعة، قال: "أدركني أبو عبس بن جبر -رضي الله عنه- وأنا ذاهب الى الجمعة، فقال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) (رواه البخاري)".

كان تعظيمهم ليوم الجمعة ناشئًا عن ثلاثة أمور هي ما يلي:

أولًا: فهمهم لحكمة تشريع يوم الجمعة وصلاته:

- يوم العبادة الأعظم ومنة الله على الأمة الاسلامية حيث غذاء الأرواح بعد كد الأسبوع في غذاء الأبدان: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ) (رواه مسلم).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "فهو اليومُ الذي يُستحبُّ أن يُتفرَّغ فيه للعبادة، وله على سائر الأيام مزيَّة بأنواعٍ من العبادات واجبة ومستحبَّة، فاللهُ -سبحانه- جعل لأهلِ كلِّ ملَّة يومًا يتفرَّغون فيه للعبادة، ويتخلَّوْن فيه عن أشغالِ الدنيا، فيومُ الجمعة يومُ عبادة، وهو في الأيام كشهرِ رمضانَ في الشهور، وساعة الإجابةِ فيه كليلةِ القدر في رمضان؛ ولهذا مَن صحَّ له يومُ جمعتِه وسَلِم، سَلِمت له سائر جمعته، ومَن صحَّ له رمضانُ وسَلِم، سَلِمت له سائر سَنَتِه، ومَن صحَّت له حجَّته وسَلِمتْ له، صحَّ له سائر عمرِه؛ فيومُ الجمعة ميزان الأسبوع، ورمضانُ ميزان العام، والحجُّ ميزان العمر".

- شُرعت فيه صلاة الجمعة لجميع المكلفين القادرين على تحمل المسئوليات، أول كل أسبوع في مكان واحد، ليسمعوا فيه الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد ما يحمله على النهوض بواجباتهم الدينية والدنيوية: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة:9-10).

- ولذا كان عندهم يوم عيد أسبوعي: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

قلتُ: والمتأمل للأحكام والآداب المتعلقة بيوم الجمعة، يوقن بأنه أعظم يوم للعبادة.

ثانيًا: علمهم بفضائل يوم الجمعة واستحضارها دومًا:

- خير يوم عند الله -عز وجل-؛ لما اختص بأحداث جسام: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تُصْبِحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُصِيخَةً، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلَّا ابْنَ آدَمَ) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني).

- فيه ساعة إجابة لا يُرد فيها الدعاء: قال -صلى الله عليه وسلم-: (يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً ، لَا يُوجَدُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني).

- يشهد يوم الجمعة لأهله يوم القيامة: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في قول الله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ . وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ . وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) (البروج:1-3)، (اليَوْمُ المَوْعُودُ يَوْمُ القِيَامَةِ، وَاليَوْمُ المَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَمَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

- يكفِّر سيئات الأسبوع من الصغائر: قال -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) (رواه مسلم).

- مَن مات فيه وقاه الله فتنة القبر: قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

ثالثًا: إقامتهم للواجبات والآداب المتعلقة بيوم الجمعة:

1- تأكيد صلاة فجر الجمعة في المسجد (بخلاف حال كثيرٍ مِن الخلف، فإنها أكثر صلاة يتخلفون عنها في هذا الزمان، لاسيما يوم الجمعة، للاستزادة من النوم!): قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- صَلاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جَمَاعَةٍ) (رواه البيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني).

2- قراءة الإمام في الفجر (السجدة) و(هل أتى) بخلاف حال كثير من الخلف، فإنهم إن فعلوا، قرأوا بعض الآيات من السورتين!: عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ: (الم . تَنْزِيلُ) السَّجْدَةِ، وَ(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ" (رواه مسلم).

3- الاغتسال والتطيب والتسوك ولبس أحسن الثياب بخلاف حال كثيرٍ مِن الخلف، فإنهم إذا ذهبوا إلى الحفلات والمناسبات فعلوا ذلك، وأهملوه في الجمعة!: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتَاكَ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، ثُمَّ رَكَعَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْكَعَ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ، كَانَ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

4- التبكير الى صلاة الجمعة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) (متفق عليه).

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "لما كان في الأسبوع كالعيد في العام، وكان العيد مشتملًا على صلاة وقربان، وكان يوم الجمعة يوم صلاة، جعل الله -سبحانه- التعجيلَ فيه إلى المسجد بدلًا مِن القربان، وقائمًا مقامه، فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاةُ، والقربان".

- بل كانوا ينكرون على مَن جاء متأخرًا: الإشارة الى إنكار عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على مَن دخل بعد صعوده المنبر، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إِنِّي شُغِلْتُ الْيَوْمَ، فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ، فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ. قَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ!" (رواه مسلم).

5- الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ؛ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا) (رواه البيهقي، وحسنه الألباني).

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "رسول الله سيِّد الأنام، ويوم الجمعة سيِّد الأيَّام، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى، وهي أنَّ كلَّ خير نالته أمَّته في الدنيا والآخرة فإنَّما نالته على يده، فجمع الله لأمَّته بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم فإنَّما تحصل يوم الجمعة، فإنَّ فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنَّة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنَّة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم يُسعفهم الله -تعالى- بطلباتهم وحوائجهم، ولا يردُّ سائلهم، وهذا كلُّه إنَّما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقِّه -صلى الله عليه وسلم- أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته" (زاد المعاد في هدي خير العباد).

خاتمة:

- كلمات في الحض على العمل لإعادة الجد والاجتهاد ليوم الجمعة، كما كان حال سلفنا الصالح: (إعادة الأمثلة في المقدمة).

اللهم اجعلنا ممَن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.