كذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب (2)

  • 238

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تكلمنا في مقالنا السابق عن حلاوة الإيمان وأثره في تغيير القلوب وتحولها مهما كان حال صاحبها، ودللنا على ذلك كمثال بسحرة فرعون، كما أورد ابن كثير صفتهم: "وَلِهَذَا لَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ، وَقَدْ جَمَعُوهُمْ مِنْ أَقَالِيمِ بِلَادِ مِصْرَ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ أَسْحَرَ النَّاسِ وَأَصْنَعَهُمْ وَأَشَدَّهُمْ تَخْيِيلًا فِي ذَلِكَ، وَكَانَ السَّحَرَةُ جَمْعًا كَثِيرًا، وَجَمًّا غَفِيرًا. قِيلَ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا. وَقِيلَ: ثَمَانِينَ أَلْفًا. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ" (تفسير ابن كثير).

فقد كان هؤلاء السحرة في أول أمرهم يبحثون عن الأجر والمال كما  في سورة الأعراف: (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ . قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (الأعراف:113-114).  

كما ذكر ابن كثير -رحمه الله-: "دْعَاهُمْ لِمُعَارَضَةِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، إِنْ غَلَبُوا مُوسَى لَيُثِيبَنَّهُمْ وَلَيُعْطِينَّهُمْ عَطَاءً جَزِيلًا. فَوَعَدَهُمْ وَمَنَّاهُمْ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مَا أَرَادُوا، وَيَجْعَلَنَّهُمْ مِنْ جُلَسَائِهِ وَالْمُقَرِّبِينَ عِنْدَهُ" (تفسير ابن كثير).

وهذا عرض كبير بالنسبة لهم كأناس يبحثون عن الدنيا، فعقد فرعون -لعنه الله- معهم صفقة ضخمة ليشجعهم على مواجهة موسى -عليه السلام-، فشرعوا في تحقيق هدفهم الدنيوي وهو الانتصار على موسى -عليه السلام-، قال -تعالى- عنهم: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) (الأعراف:١١٥).

فلما حضروا مع موسى بحضرة الخلق العظيم قَالُوا على وجه التألي وعدم المبالاة بما جاء به موسى -عليه السلام-: (يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) (تفسير السعدي).

بل انظر -رحمك الله- أيضًا إلى حالهم قبل إيمانهم عند إلقائهم لحبالهم وعصيهم: (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) (الشعراء:44).

كما ذكر ابن عطيه -رحمه الله-: "أَنَّهُمُ أقْسَمُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ، كَما تَقُولُ: بِاللهِ لا أفْعَلُ كَذا وكَذا، فَكانَ قَسَمُهم بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ غَيْرَ مَبْرُورٍ. والآخَرُ: أنْ يَكُونَ عَلى جِهَةِ التَعْظِيمِ لِفِرْعَوْنَ -إذْ كانُوا يَعْبُدُونَهُ- والتَبَرُّكِ بِاسْمِهِ، كَما تَقُولُ إذا ابْتَدَأْتَ بِعَمَلِ شُغْلٍ: بِاسْمِ اللهِ، وعَلى بَرَكَةِ اللهِ، ونَحْوِ هَذا" (المحرر الوجيز).

فهذا كان حالهم قبل أن تستنير هذه القلوب وتحيا بنور الإيمان؛ كانت مغلفة بالضلال وحب الدنيا، فكيف كان حالها حين أتاها الإيمان؟!

هذا ما سنبينه في المقال القادم -بإذن الله-.