فكر ابن عربي في الميزان (2)

  • 290

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ذكرنا في المقال السابق فساد فكر ابن عربي، وذكرنا أقوال أهل العلم فيه، ولكن دون تقصٍّ لطبيعة المقام ووضوح ذلك في عبارات الرجل، فهو صاحب فكرة يؤكِّد عليها في كل كتاب، وفي كل مقام، وليست قضية شطحات تكون في حالة نفسية وروحية معينة لا ينبغي أن نحاسبه عليها؛ لأنه يكون مغلوبًا على أمره في هذه الحال!

وليست القضية أيضًا قضية ذوق ووجد يكون لصاحبه، فلابد مِن تعاطيه حتى يفسر هذه العبارات التي لا يتوقف عاقل في أنها ليست مِن عبارات المسلمين؛ وإنما القضية قضية عقيدة فلسفية مترسخة في نفس هذا الفيلسوف، وهي قضية وحدة الوجود، وأن الوجود كله وجود واحد هو وجود الله!

فمذهب ابن عربي يتلخص في وحدة الوجود، في إنكاره لعالم الظاهر، وعدم الاعتراف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق، فلا موجود إلا الله؛ فهو الوجود الحق.

فابن عربي يقرر أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق، ومِن أقواله التي تدل على ذلك: "سبحان مَن أظهر الأشياء وهو عينها".

ويقول مبينًا وحدة الوجود، وأن الله يحوي في ذاته كل المخلوقات:

يا خالق الأشياء في نـفسه               أنـت لـمـا تـخـلـق جـامـع

تـخـلق مـا لا ينتهي كـونـه               فيك فأنت الضيق الواسع

وبناءً على هذا التصور، فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم، بل مجرد فيض وتجلٍّ ومادام الأمر كذلك، فلا مجال للحديث عن علة أو غاية، وإنما يسير العالم وفق ضرورة مطلقة ويخضع لحتمية وجبرية صارمة، وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء وقدر، ولا عن حرية أو إرادة، ومِن ثَمَّ لا حساب ولا مسئولية، وثواب ولا عقاب، بل الجميع في نعيم مقيم، والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط، لا في النوع.

وقد ذهب ابن عربي إلى تحريف آيات القرآن لتوافق مذهبه ومعتقده، فالعذاب عنده من العذوبة، والريح التي دمرت عاد هي من الراحة؛ لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة، وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة!

ومما يؤكد على قوله بالجبر الذي هو من نتائج مذهبه الفاسد:

الحكم حكم الجبر والاضطرار            مـا ثم حكم يقتضي الاختيار

إلا الـذي يـعـزى إلـينـا فـفي              ظـــاهـره بأنـه عـن خــيـار

لـو فـكـر الــنـاظـر فـيه رأى             بأنه المختار عن اضـطـرار

وإذا كان قد ترتب على قول ابن عربي بوحدة الوجود قوله بالجبر، ونفي الحساب والثواب والعقاب، فإنه ترتب على مذهبه أيضًا قوله بوحدة الأديان؛ فقد أكَّد ابن عربي على أن مَن يعبد الله ومَن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء؛ لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله؛ إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق!

يقول في ذلك:

لقد صار قلبي قابلًا كل صورة           فمرعى لغزلان ودير لـرهبان

وبـيـت لأوثـان وكـعـبة طائف            وألواح توراة ومصحف قرآن

فمذهب وحدة الوجود الذي قال به ابن عربي يجعل الخالق والمخلوق وحدة واحدة، سواء بسواء، وقد ترتب على هذا المذهب نتائج باطلة قال بها ابن عربي وأكدها، وهي قوله بالجبر ونفيه الثواب والعقاب، وكذا قوله بوحدة الأديان.