الإتقان والنفاق لا يجتمعان

  • 397
1

كتبه/ عصام زهران

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خصلتانِ لا تجتمعانِ في منافقٍ: حسنُ سمتٍ، ولا فقهٌ في الدينِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وحسن السمت عرفه الحافظ ابْنُ حَجَر تعريفًا جامعًا فقال: "إَنَّهُ تَحَرِّي طُرُقِ الْخَيْرِ، وَالتَّزَيِّ بِزِيِّ الصَّالِحِينَ، مَعَ التَّنَزُّهِ عَنْ الْمَعَائِبِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ".

وقال السدي -رحمه الله-: "وكان يوسف، عليه السلام، قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث، وحسن السّمت وكثرة العبادة، صلوات الله عليه وسلامه" (تفسير ابن كثير).

إن للإتقان في الدين مِن الأهمية والخيرية التي ترفع العبد حتى يحظى بعطاء الله، ويَنال به شرف القيام على أمر هذا الدين، مؤيَّدًا مِن الله -تعالى-، وموعودًا بالنصرة والمعيَّة اللازمة له، دون أن يُدركه الضرُّ ممَّن خالفه، حتى يأتي أمر الله وهو مُستمسِك بعروة الله الوثقى، ثابت الجَنان والأركان، تتغيَّر الدنيا وتتغير الأحوال والأمكنة والزمان وهو على حاله المتَّصل بالله، القائم على دينه، يدور مع دين الله ومقاصده الجليلة حيثما دار، لا يأبه للمتغيِّرات ولا للحوادث والأحداث، فأينما مصلحة الدين كانت فثمَّ شرع الله القويم.

ضوابطه ومعاييره في العمل، والحكم على كل الأمور ومُستجِدات الأحداث على منهاج السلف الصالح، مُتجرِّدًا مِن حظوظ النفس الأمارة بالسوء، مُتيقِّظًا لوساوس الشيطان ونزغاته؛ جعل الدنيا بكل شهواتها ولذائذها طوع يدَيه وتحت نعلَيه، عبَّد هواه لمُقتضيات الوحي والتوحيد، يُقدم على ما اطمأنَّت إليه نفسه مِن البِرِّ والعمل الصالح برغبة الطامع لما عند الله، برجاءِ مَن أحسن الظنَّ بربه، وبخَوفِ مَن لا يأمن مكر الله به ألا يقبَل منه وهو يظنُّ أنه يُحسن صنعًا، فهو بين الخائف المُنكسِر المتذلِّل بين يدَيه، والمُحبِّ الراغب لفضلِه وإحسانه.

وان الفقهَ في الدين يُنيرُ الأفئدةَ والبصائر، وتقَرُّ به العيونُ، ويكسو وجهَ صاحبِه الحلاوةَ، ويمنحُه المهابةَ، وهو كجوهرة تتحلَّى به الفُهوم، وكوكب تستضيء به الدروبُ؛ وهو كأعظمِ حسناء يَهيمُ بها صاحبُها، فيُجترُّ معها إلى بحار العلوم، فتَسْري سُلافةُ حبِّها في الأفئدة سَريانَ الماء في العود؛ فيزيد بها صبابةً وكلَفًا، ومحبَّة وشَغَفًا، فيقَر بها عينًا، وينشرحُ لها صدرًا.

ومِن الملفت للنظر: أن كلمة الفقه ارتبطت كثيرًا بالنفاق والمنافقين مِن حيث إنهم لا يفقهون، وهذا مؤشر واضح أن المنافق لا يهمه أمر دين، ولا حتى مصالح الآخرين، فهو منكب على نفسه ومصالحه، ويا له مِن شخص محتَقَر عند عامة البشر (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) (الحشر:13)، وإن الخسة والوضاعة واضحة جدًّا في طريقة مكرهم بالمؤمنين: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) (المنافقون:7).