عِبَرٌ من التاريخ... عدلٌ وإنصافٌ

  • 474
1

كتبه/ رجب صابر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد كانت سمرقند عاصمة إقليم السُّغد أو الصُّغد (أزبكستان حاليًا)، وهي تقع في موقع متوسط من الإقليم، تستند إلى جبال آلاي المتفرعة عن هضبة التيبت، وقد عني بها ملوك السغد فحصنوها تحصينًا جيدًا (مشاهير قادة الإسلام: قادة فتح بلاد الشام والعراق - بسام العسيلي، ص533).

وفي سنة ست وخمسين غزا سعيد بن عثمان بن عفان سمرقند وخرج إليه الصغد فقاتلوه فألجأهم إلى مدينتهم فصالحوه، وفي سنة اثنتين وستين عبر سلم بن زياد إلى سمرقند فصالحوه (ينظر: تاريخ خليفة ص224،235).

وفي سنة ثلاث وتسعين سار قتيبة بن مسلم إلى سمرقند فقاتلوه قتالًا شديدًا وحاصرهم حتى صالحوه (تاريخ خليفة ص305).

وكان أهل خراسان يقولون: إن قتيبة غدر بأهل سمرقند فملكها غدرًا (الكامل لابن الأثير 4/277).

فلما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "كتب عمر إلى سليمان بن أبي السري، أن اعمل خانات في بلادك فمن مرَّ بك من المسلمين فاقْرُوهم يومًا وليلة، وتعهدوا دوابهم، فمن كانت به علة فاقْرُوه يومين وليلتين، فإن كان منقطعًا به فقوّوه بما يصل به إلى بلده.

فلما أتاه كتاب عمر قال أهل سمرقند لسليمان: إن قتيبة غَدَرَ بنا وظلمنا وأخذ بلادنا، وقد أظهر الله العدل والإنصاف، فائذن لنا، فليفد منا وفد إلى أمير المؤمنين يشكون ظُلامتنا، فإن كان لنا حق أعطيناه، فإن بنا إلى ذلك حاجة. فأذن لهم، فوجهوا منهم قومًا، فقدموا على عمر، فكتب لهم عمر إلى سليمان بن أبي السري: إن أهل سمرقند قد شكوا إليَّ ظلما أصابهم وتحاملًا من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم، فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي، فلينظر في أمرهم، فإن قضى لهم فأخرجهم إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل أن ظهر عليهم قتيبة.

قال: فأجلس لهم سليمان جُمَيْع بن حاضر القاضي الناجي، فقضى أن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم وينابذوهم على سواء، فيكون صلحًا جديدًا أو ظفرًا عنوة، فقال أهل السُّغد: بل نرضى بما كان، ولا نجدد حربًا، وتراضوا بذلك، فقال أهل الرأي: قد خالطنا هؤلاء القوم وأقمنا معهم، وأمنونا وأمناهم، فإن حُكم لنا عدنا إلى الحرب ولا ندري لمن يكون الظفر، وإن لم يكن لنا كنا قد اجتلبنا عداوة في المنازعة. فتركوا الأمر على ما كان، ورضوا ولم ينازعوا" (تاريخ الطبري 6/ 567، 568. وينظر: فتوح البلدان للبلاذري ص539، والكامل لابن الأثير 4/ 327).

فانظر كيف رأى أهل سمرقند ما لا مثيل له في التاريخ من عدالة تنفذها الدولة على جيشها وقائدها؟!

أرأيتم جيشًا يفتح مدينة ويدخها فيشتكي المغلوبون للدولة المنتصرة فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر ويأمر بإخراجه؟!

أرأيتم في التاريخ القديم والحديث حربًا يتقيد أصحابها بمبادئ الأخلاق والحق كما تقيَّد به جيش حضارتنا؟!

وكم في التاريخ من عِبَرٍ؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار.