الفساد (37) الإعلام من البناء إلى الهدم (1-4)

  • 477
1

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فيعيش الإنسان اليوم ثورة من الاتصال الإعلامي، لا يتوقف معها الإعلام عن ملاحقة الإنسان للتأثير على عقله واتجاهاته في كل لحظةٍ مِن لحظات النهار أو الليل؛ مِن وقت أن يفتح الإنسان عينيه في الصباح ناهضًا من فراشه، إلى أن يأوي في الليل إلى فراشه مِن جديدٍ، حيث لا تكف وسائل الإعلام عن بثِّ إرسالها وتقديم ما لديها ليل نهار.

ففي الصباح: يستمع إلى الأخبار من المذياع، ويقرأ الصحف اليومية الصباحية، فإذا خرج متوجهًا لعمله واجهته ألوان مختلفة من الدعاية والإعلام: مِن ملصقات ولوحات متنوعة في وسائل النقل، وعلى جانبي الطريق، وجدران الأبنية.

وفي ذروة عمله: لا تخلو أحاديثه مع زملائه من أخبار لم يقرأها فيما قرأ في الصحف أو لم يستمع إليها فيما استمع إليه في الإذاعة، فإن وجد فراغًا شاهد فيه برامج في التلفاز أو استمع إلى المذياع.

وفي المساء: يشد انتباهه مجلة جذابة فيطلع عليها، أو حوار على شاشة التلفاز فيستمع إليه، والمحصلة: أنه يقرأ ويرى ويسمع كمًّا هائلًا مِن المعلومات والأخبار والشائعات التي تَعرض عليه أفكارًا واتجاهاتٍ وفنونًا ودعاياتٍ، تستهدف جذب انتباهه أولًا، والتأثير عليه ثانيًا، وتوجيهه إلى هدفٍ معينٍ مطلوب منه الاستجابة له سلوكيًّا، بعد أن تحاصره حصارًا محكمًا لا قدرة له على الفرار منه أو تجاهله؛ فالإعلام هدفه الأكبر وشغله الشاغل التأثير على الإنسان، وهذا الإنسان يرى أنه لا غنى له عن هذا الإعلام!

كيف يؤدي الإعلام دوره؟

يقوم الإعلام بدوره من خلال مجموعة من الأدوات، لكل أداة وظيفتها، ونجاح الإعلام مرتبط بقدرته على التأثير في سلوك مَن يستهدفهم، وعلى قدر الاستجابة لهذه الوسيلة الإعلامية يكون قدر نجاحها، أما تقييم أداء الإعلام فيرتبط بنوعية تأثيره: هل هو تأثير إيجابي بنَّاء أم هو تأثير سلبي هدام؟

فنجاح الإعلام مرتبط بمدى تأثير كل أداة من أدواته، لكن إيجابية هذا الإعلام مرتبطة بمدى ما يحمله من أفكار وتوجهات ونوعية تأثير، فقد يكون الإعلام ناجحًا في إحداث التأثير، ولكن تأثيره على المجتمع يكون تأثيرًا سلبيًّا هدامًا، أو بتعبير أدق: سلبياته أكبر وأكثر من إيجابياته، وهذا هو المبدأ في تقييم الأداء الإعلامي، وفي الحكم على رسالته ودوره في المجتمع؛ فعلى قدر الأداء والعمل وعلى نوعية الرسالة والتأثير -كلاهما- ينبغي أن يكون التقييم والمساءلة.

فدور الإعلام توصيل رسالة معينة مِن خلال أفكار ومعلومات يتم إرسالها عن طريق رجل الإعلام إلى المستقبِل (المرسَل إليه)، وإقناعه بها، فإن استجاب المستقبل (المرسل إليه) وعمل بمضمون هذه الرسالة، وصبغ سلوكه بها؛ فقد حقق رجل الإعلام غرضه، وإن لم يستجب المستقبل (المرسل إليه) لمضمون هذه الرسالة؛ فقد فشل رجل الإعلام في تحقيق غرضه.

وأدوات الإعلام تتضمن:

1- رجل الإعلام:

فيحتاج الإعلام إلى إعلامي له شخصية مميزة، فهو محل ثقة مَن توجَّه إليه الرسالة الإعلامية، متصف بالاحترام والصفات الخُلُقية الحميدة، مع الخبرة والصدق والتخصص في مجاله، مزودًا بالثقافة والعلم.

2- الفكرة أو الرسالة:

هي أساس العمل، والرسالة تنبع مِن المصدر الذي يوجه العمل الإعلامي ككل، وللفكرة مَن يتولون إعدادها وتجهيزها لتناسب الفئات المستهدفة؛ سواء كانت فردًا أو جماعة أو رأيًا عامًّا.

والأفكار أنواع فهناك:

أفكار سياسية: كنشر فلسفة سياسية أو مبادئ حزبية، أو الترويج لسياسة داخلية أو خارجية، أو الرد على سياسات أخرى مخالفة أو معادية.

أفكار اقتصادية: كنشر مذهب اقتصادي معين كالرأسمالية، أو بيان سياسة تجارية تتعلق بأسهم أو سلع أو مستندات، أو إعلام تجاري.

أفكار اجتماعية: كنشر مبدأ اجتماعي، أو سياسية تتعلق بالأوضاع الاجتماعية، أو بيان سياسية هيئات أو جمعيات، أو لفت الأنظار إلى قضايا أو حالات اجتماعية.

أفكار عسكرية: كالتمهيد لمرحلة عسكرية قادمة، أو تهيئة المجتمع لحرب عامة، أو القيام بحرب نفسية، أو بحرب دفاعية ضد دعاية معادية، أو لرفع الروح المعنوية للشعب أو قواته المسلحة.

وأي فكرة منها تحتاج إلى أن تكون مدروسة علميًّا، ومخططًا لها بعد تحليل اتجاهات وميول الرأي العام بإزائها، ويراعى فيها أن تكون واضحة مفهومة لدى المرسل إليه، وتخدم مصالحه وما يحتاج إليه، متفقة مع أفكاره فلا يجد صعوبة في تصديقها وقبولها، مع اختيار أحدث وأنسب وأفضل وسائل الاتصال التي تضمن تمكنها من تحقيق الاستجابة المطلوبة، وقبل ذلك وبعده فلا بد أن تكون موافقة للصالح العام للدولة والمجتمع، تتفق مع قيمه ومبادئه وأخلاقياته وما ترسخ -أو ينبغي أن يترسخ- فيه من آداب وسلوكيات، حتى يسلك المستقبل للفكرة سلوكًا ترضى عنه الجماعة.

وكمال إعداد الفكرة يكون بدراسة ومناقشة ما يخالفها من الآراء أو يعارضها من اتجاهات بغرض تحصين المرسل إليه مقدمًا من كل ما يعارض هذه الفكرة التي يستقبلها.

3- وسائل الاتصال:

فرجل الإعلام يختار أفضل وسيلة اتصال لتبليغ فكرته متبعًا في ذلك أحدث وأنسب الأساليب العلمية والفنية، وتتمثل وسائل الاتصال في:

1- وسائل مقروءة: كالصحف والمجلات والنشرات، والكتب والملصقات.

2- وسائل مسموعة: كالإذاعة والخطب والندوات.

3- وسائل بصرية: كاللوحات الفنية والنحت.

4 – وسائل مرئية سمعية: كالتليفزيون والسينما.

5 – وسائل شخصية: كالمقابلات والمحادثات.

ويزود العلم هذه الوسائل كل يوم بجديدٍ يساعدها على الجذب وشد الانتباه والتأثير، وانتقالها عبر البحار والمحيطات وفوق الجبال والغابات، لتصل إلى كل إنسان في عقر داره.

ومن هنا أصبح الاتصال بالجماهير علمًا يقوم على أسسٍ مدروسة، يبذل من خلاله الجهد التقني والعلمي والفني لصياغة المادة الإعلامية بأسلوب يقنع عقل المستقبل ويجعل سلوكه متمشيا معها.

4- المرسل إليه:

قد يكون المرسل إليه فردًا أو جماعة أو شعبًا، ويجب على رجل الإعلام دراسة هذا المرسل إليه دراسة وافية، للتعرف على مدى مناسبة الفكرة ووسيلة الاتصال لشخصية المرسل إليه وطبيعته، بناءً على أن لكل فرد أو جماعة أو شعب ذوقه الخاص وثقافته ومفاهيمه ومعتقداته وبيئته وتطلعاته.

عوامل تأثير الفكرة:

الاستجابة للفكرة تترتب على عوامل مختلفة تؤثر على عقل المرسل إليه، منها:

1- مقارنتها بالأفكار التي يعتنقها.

2- مدى استعادتها في اللاشعور أو العقل الباطن.

3- النظر إليها من وجهة نظر التقاليد التي نشأ عليها.

4- فحصها في ضوء المعتقدات الدينية التي يؤمن بها.

5- مدى موائمتها لنوع الحياة التي يعيشها وللثقافية التي يمتلكها.

6- مدى موافقتها للتطلعات التي يسعى لتحقيقها.

7- مدى ارتباطها بالنواحي الإنسانية التي يحرص عليها في سلوكه الخاص.

فالمرسل إليه يحرص على مقارنة الفكرة الجديدة بالأفكار الأخرى التي يعتنقها، ومقارنة ما يترتب على قبولها من نتائج تتعارض أو لا تتعارض مع ما يتطلع إليه، أي: يعيش المرسل إليه في صراع بين ما يؤمن به وبين ما تحتويه الفكرة الجديدة، وعليه تكون الاستجابة للمؤثرات المرتبطة بالفكرة من المؤثرات العقلية والحسية والنفسية.

فالمؤثرات العقلية: هي ما تثير العقل والتفكير، كالتصديق أو التكذيب، التأييد أو الرفض، أو الإعجاب أو الاستنكار، وهي ردود فعل عقلية.  

والمؤثرات الحسية: هي ما تثير الأحاسيس الطبيعية كالحب أو الكراهية، الفرح أو الحزن.

والمؤثرات النفسية: هي ما تخاطب العقل الباطن أو اللا شعور والخبرات والتجارب في داخل اللا وعي، الناتجة من صراع النفس وشتى ضروب التعارض أو التوافق بين الماضي والحاضر، وهي صادرة عن ردود فعل نفسية.

فاستخدام وسائل الاتصال والإعلام لهذه المؤثرات عن علم بها وخبرة وبالقدر والظروف الملائمة، مع دراسة وافية وتحليل للرأي العام، يمكن معها تحقيق النجاح لعملية التوصيل، وبالتالي الحصول على التأثير المطلوب.

الاستجابة:

تتنوع الاستجابة: فقد يقبل الإنسان الفكرة بعقله باعتبارها فكرة وجيهة، ولكنه يرفضها بقلبه فلا يسلك السلوك المطلوب؛ إما لأنه لا يريد ذلك، وإما لأنه عاجز عنه، وقد لا يقبل الإنسان فكرة، ولكنه يسلك نحوها سلوكًا إيجابيًّا، أي: يرفضها بعقله، ولكنه يعمل بها لكونها غير مسبوقة أو لكونه عاجزًا عن مقاومة إغراء الأخذ بها.

تغيير السلوك:

كلما كان الاتصال الجماهيري مقنعًا وواضحًا لأكبر عددٍ مِن أفراد المجتمع استجاب الأفراد للفكرة، ومرجع ذلك إلى نتيجة الصراع بين ما يريده الإنسان بدافع ميوله ورغباته وبين ما تريده له وسائل الاتصال والإعلام. فمع قبول أو رفض الفكرة تكون عملية استرجاع المؤثرات التي ذكرناها، فالمرسل إليه يراجع نفسه كي يكون سلوكه الشخصي متمشيًا مع السلوك الجديد بناءً على قبول أو رفض الفكرة، وعلى توافق السلوك الجديد مع السلوك الجماعي الجديد المراد أن يسلكه جميع المتعرضين للاستجابة الممثلة، أي: المقارنة بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة.  

ونجاح الإعلام مرهون بنجاحه في جعل الفكرة والتأثير والاستجابة أمورًا تتحرك بدون ضغط أو إلزام، وهي وسائل تحدث الإغراء الذي يحقق التجاوب والتفاعل والالتحام، والمشاركة بين الإعلام والجمهور.

ولمنع أي خلل أو تضارب بين هذه الوسائل يكون اللجوء إلى:

التكرار: بطرح الفكرة عدة مرات، وفي أشكال جديدة وفي مناسبات وظروف مختلفة، كي تصل إلى الغرض المطلوب.

المتابعة: لتعميق وترسيخ الفكرة في عقول الجمهور، وطرح نتائجها في أشكال ومناسبات مختلفة.

الملاحقة: لتجديد شباب الفكرة وإكسابها المزيد من الحيوية والتأثير (راجع في ذلك: "نظرية الإعلام وثورة الاتصال بالجماهير" من كتاب: "الإعلام في القرآن الكريم"، د. محمد عبد القادر حاتم، أول وزير للإعلام والثقافة في مصر، ط. مكتبة الأسرة 2002م، ص: 35-47).

الحاجة إلى الإعلام الهادف:

مما لا شك فيه أننا في أشد الحاجة إلى إعلام سليم هادف، خاصة في ظل عالمٍ يموج بتيارات فكرية متضاربة كثير منها يروج للباطل، ويغزو عقول الشباب ليثير الشبهات في وجه الحق أو يثير الشهوات في وجه الفضيلة.

لقد أصبح عقل الإنسان خاصة الشباب في عصر الثورة المعلوماتية الحالية لا يمكنه أن يكون الرأي السليم، وأنى له ذلك وهو منذ أن يفتح عينيه في الصباح إلى أن يغلق عينيه في المساء يواجَه بسيلٍ منهمرٍ مِن الأنباء والمعلومات المتناقضة أو الملفقة أو الكاذبة! وكل منها له أقواله وتفسيراته وآراؤه، وأصبح الإنسان يلهث وراء الحقيقة، فهذا نبأ تقدمه جهة، وهذا تكذيب له من جهة أخرى، حتى أوشكت الحقيقة أن تضيع، ومعها ضاع حق الإنسان في أن يعلم الحق.

الإعلام ليس حكرًا لأحد:

لخطورة الإعلام فينبغي ألا يكون الإعلام (امتيازًا لقلةٍ مِن الأفراد أو الجماعات تمتلك الوسائل الفنية والمالية التي تمكنها من السيطرة عليه، بل يجب فهمه على أنه عمل اجتماعي نابع من باطن مختلف المجتمعات والثقافات والمفاهيم، وتبعًا لذلك ينبغي تنظيم حق الذين يتلقون المعلومات بشكلٍ يقر وظيفتي التفاعل والمشاركة، ويضمن التداول الحر والمتوازن للمعلومات.

وينبغي أن يكون الإعلام كحاجة اجتماعية متلائمًا مع كل مجتمع بما له من اهتمامات خاصة؛ ولذا ينبغي لكل أمة أن تكون في موضع يمكنها من اختيار إعلامها وفقًا لواقعها واحتياجاتها" (راجع "النظام الإعلامي الجديد" د. مصطفى المصمودي -وهو وزير إعلام تونسي سابق- ط. عالم المعرفة - الكويت - أكتوبر1985م، ص: 61).

الرقابة الذاتية والمجتمعية على الإعلام:

"إن الحاجة تدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى وضع قواعد للسلوك المهني في مجالات المعلومات والإعلام"، "وينبغي بالتأكيد الاعتراف بالرقابة الذاتية لمنظمات الإعلام المهنية فيما يتعلق بهذه القواعد، غير أنه لا يمكن لرقابة كهذه أن تقوم مقام صيغة أوسع نطاقًا؛ إذ لا يجوز لأي فئة اجتماعية أن تتمتع بامتياز يعفيها من المسئولية تجاه المجتمع الذي تنتمي إليه"، فللصحافة مثلًا مهمة اجتماعية قوامها الإعلام والتعليم "والصحفيون ملزمون إلزامًا مطلقًا بالصراحة والاستقامة تجاه قرائهم، بالإضافة إلى التزامهم باحترام كرامة مهنتهم. فالهدف إذًا هو ضرورة إقامة جهاز فعال يحمي الصحفيين من أي طلب غير ملائم أو غير لائق من قبل أصحاب المؤسسات التي يعملون فيها، ومقابل ذلك ينبغي على الصحفي أن يراعي مبادئ قواعد السلوك المهني التي ينطوي عليها ما يسمى بالضمير المهني"، فوضع مبادئ قواعد السلوك المهني الإعلامي أمر ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار.

إن تأكيد قواعد السلوك المهني الموضوعة لتوجيه الإعلام يترتب عليه "مسئولية الذين يسيطرون على المعلومات والذين ينبغي أن يتحملوا نتائج أي انتهاك لهذه المبادئ" (راجع المصدر السابق، ص 63 - 64).

حق تصحيح الخطأ:

لا يحقق الإعلام وظيفته على وجهها الأكمل إلا بنقل المعلومات الصادقة بكل موضوعية ومطابقة للواقع، والإخلال بذلك بتقديم معلومات زائفة أو مغرضة أو مشوهة أو عرضها بمعايير واهتمامات خاصة يعد خيانة لرسالة الإعلام وأمانة الكلمة، وينبغي أن يكون للمتضرر الحق في تصحيح المعلومة الزائفة أو استيفاء المعلومات غير الكاملة التي نشرت أو أذيعت، بحيث تعطي الصورة الدقيقة عن الواقع وتضعها في سياقها الحقيقي، ويمتد هذا الحق ليشمل نشر تعليق إضافي يتمشى مضمونه مع الواقع.

خطورة الترويج للثقافة الاستهلاكية:

لا ينبغي لأجهزة الإعلام أن تكون محفزة للثقافة الاستهلاكية في المجتمع، ومتسببة في نبذ ما تنتجه البلاد من سلع ومنتجات وتعويضها بسلع ومنتجات أخرى أجنبية "فتضطر الدولة إلى استيراد ما لا يلزم استيراده، وتصنيع ما لا ضرورة لتصنيعه. وهذه الظاهرة متفشية لسوء الحظ داخل الكثير من البلدان العربية إذ قلت في الأسواق العربية بعض المواد الغذائية التي كانت في الماضي تكفي وتغني إلى حدٍّ ما عن استيراد منتجات أخرى. "وللإعلان والدعاية في ذلك تأثير كبير، وعلينا أن نعي دورهما؛ فنوظفهما لما فيه خير الأمة، ونضع لهما الحدود لكي لا تكون نتائجهما معاكسة لجهودنا" (المصدر السابق، ص 285- 286 بتصرف).

الدور الاجتماعي للإعلام:

للإعلام وظيفة اجتماعية "دأبها إسهام المواطن في مشاغل مجتمعه ودفعه إلى المشاركة في الحياة العامة، وأكدت البحوث أن الذين يهتمون بالحياة السياسية والاقتصادية والثقافية لمجتمعهم يشتركون بصورة أنشط في شئون المجموعة التي ينتسبون إليها، فإن الإعلام مطالب بإفهام المواطن الاختيارات الوطنية والقوانين التي تسنها الدولة وأساليب العمل الحديثة، مع انغماس الأعلام في أعماق المجتمع حتى لا يكون موجهًا للنخبة على حساب الجماهير، والديمقراطية تعني هنا إشراك ساكني كل المناطق الجغرافية ومختلف الفئات في المشاغل الوطنية، وهذا يدعو أجهزة الإعلام في بلادنا إلى إتاحة الحوار لمختلف فئات المجتمع"، "ونحن ندرك التفاوت الموجود كلما انتقلنا من مجتمع لآخر؛ إلا أن الواقع يدعونا لتقريب وجهات نظرنا في هذا المجال إذا أردنا أن نخطو خطوات حثيثة نحو الوحدة العربية التي ننشدها منذ أجيال بعيدة، فالعدالة الاجتماعية لن تتحقق إلا بإشاعة اللامركزية داخل الأقطار والإكثار من الإذاعات والصحف المحلية والوسائل الحديثة الأخرى، وبدفع الجماهير إلى المشاركة في برامجها وأركانها ومساعدة الفلاحين والعمال ومختلف المهن على توضيح وجهة نظرهم والتعبير عن مقاصدهم.

كما يتعين علينا المزيد من الاهتمام بمشاغل الشباب الذي يمثِّل أغلبية السكان، وعلى أجهزتنا الإعلامية أيضًا عدم إهمال من بلغ الشيخوخة وأصبح في حاجة إلى المزيد من الرعاية والانتباه فقد أكدت الدراسات أن الشيوخ والأطفال هم الأكثر إقبالًا على سماع ومشاهدة البرامج الإذاعية والتلفزيونية"، وينبغي "أيضًا مراعاة وضعية المرأة وتحسين صورتها في المجتمع، تلك الصورة التي شوهتها أجهزة الإعلام الغربية من خلال الإعلانات التجارية والأشرطة الاستفزازية الخليعة" (المصدر السابق، ص 286-287 بتصرف).

الدور التربوي والثقافي للإعلام:

ينبغي تعزيز دور الإعلام "في مواكبة العمل التربوي، وإشراك رجال التعليم في إنتاج البرامج الإذاعية والتلفزيونية، والغاية الأساسية من ذلك هي استيعاب الطاقات الوطنية بأكملها لمقاومة الأمية والجهل، وتعميم العلم والمعرفة؛ إنه من المؤكد أن الطفل العربي يقضي أمام الشاشة الصغيرة قبل دخوله إلى المدرسة مئات الساعات، وقد يمثِّل ما يزيد عن سنة مدرسية وربما يضاهي سنتين، ثم إنه من الأساسي لأي مجتمعٍ وضع السياسات التربوية والسياسات الإعلامية في اتجاه واحد حتى لا تتضارب، وتذهب أحيانًا في اتجاه معاكس.

ونحن في العالم العربي نضع في كثيرٍ مِن الحالات خططًا تربوية ترمي إلى أحياء تراث أجدادنا وغرس قيمنا في أذهان أبنائنا وإعلاء مكانة لغتنا، ونسعى في الوقت نفسه إلى فتح أعين النشء الجديد على عالم الغد، وتزويده بما يسمح له باستيعاب العلوم الصحيحة وإدراكها على أحسن الوجوه" (المصدر السابق، ص 287 - 288 بتصرف).

الانتباه لسيطرة الإعلام الغربي:

في مجال الإعلام يخرج الإنتاج أحيانًا عن إرادتنا، فتكون البرامج المعروضة ليست دومًا من مصدر وطني، فإن ما يقدَّم للجمهور وخاصة الأطفال الصغار غالبًا ما يتنافى مع الأسس التربوية التي تسير عليها المدرسة، فبقدر ما نسعى للتخلص من شوائب الاستعمار ومخلفاته في مجالات التربية، فإن الأمر يدعونا في كل قطر من الأقطار العربية إلى المزيد من التحكم في فحوى برامجنا الإعلامية والسيطرة على الاتجاه الذي تسير فيه.

وهذا ما يدعونا إلى تدريب الطفل على استعمال الأجهزة الإعلامية فنيًّا وفكريًّا؛ فنيًّا لأن الأجهزة الإعلامية الحديثة تتنوع وتتعدد، والتدريب على استعمالها يفسح مجالات كبيرة أمام الطفل ويسمح بالبقاء على صلة بمنابع المعرفة بعد أن يغادر المدرسة.

وفكريًّا؛ لأن الطفل في حاجة إلى توجيه حتى يعرف كيف ينتقي البرامج والمقالات المفيدة، ولا يتأثر بالسيئ منها، وبكل ما يتنافى مع القيم الأخلاقية، ويمس هويته المحلية والوطنية والقومية (المصدر السابق: 287 - 289).

وفوق ذلك، فإن وكالات الأنباء العالمية التي تسيطر على الأخبار العالمية تمتلكها الدول الغربية الغنية وتوجهها إلى بلدان العالم الثالث، ومنها تستمد وسائل الإعلام المحلية أخبارها، وهذه الوكالات لا تعطي أهمية لأنباء دول العالم الثالث، وما تورده عنها تدخل عليه التحوير والتشويه، ومن نتيجة ذلك: خلق وضعية تبعية، وهيمنة جعلت أغلب البلدان تقتصر على التلقي السلبي لإعلام منقوص ومشوه، بل ومبني على أفكار مسبقة.

إن نظام الإعلام الغربي يمثِّل نوعًا من بقايا الاستعمار السياسي والاقتصادي والثقافي، وهناك أيضا احتكار الإعلان الذي تمارسه وكالات الإعلان الكبرى في أجزاءٍ عديدةٍ من العالم حيث تعمل بنفس الأسلوب الذي تتبعه شركات وسائل الإعلام العالمية، وهذه صورة من صور السيطرة الثقافية.

الرأي العام:

"هو الحكم الذي يصل إليه المجتمع في قضيةٍ ما"، ويشترط لتحقيقه إجراء المناقشات الوافية حول قضيته المطروحة بكل حقائقها، مع اتفاقه مع المعتقدات العامة للناس.