من أخلاق السلف -رضي الله عنهم- (3)

  • 633

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

5- ومن أخلاقهم -رضي الله عنهم-:

كثرة الصبر على جور الحكام، وشهودهم أن ذك دون ما يستحقونه بذنوبهم، قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأنعام:129)، وقال -تعالى-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (الإسراء:16). وقرئ: (أمَّرْنَا).

وكان عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- يقول: "كان الحجاج الثقفي بلاء من الله وافق خطيئة".

وكتب رجل لمحمد بن يوسف يشكو إليه من جور الولاة في بلاده فأجابه محمد بقوله: "قد بلغنا كتابك، ولا يخفى عن علمك يا أخي أنه ليس لمن عمل بالمعصية أن ينكر وقوع العقوبة، وما أرى ما أنتم فيه إلا شؤم الذنب، والسلام".

فالله -عز وجل- قد يعاقب الظالم بالظالم، ثم يُصيِّر كلًّا إلى النار، وقد نهى الله -عز وجل- عن إعانة الظالمين أو الركون إليهم، فقال -تعالى-: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (هود:113).

سئل عطاء بن أبي رباح رحمه الله عن شخص يكتب بقلمه عند الأمراء، لا يجاوز ما جعلوه له من الرزق، فقال عطاء: "أرى أن يترك ذلك، أما سمع قول موسى -عليه الصلاة والسلام-: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ) (القصص:17)".

وكان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "مَن أعان ظالمًا أو لقنه حجة يدحض بها حق امرئ مسلم، فقد باء بغضب من الله".

6- ومن أخلاقهم -رضي الله عنهم-:

غيرتهم لله -تعالى- إذا انتهكت حرماته نصرة للشريعة المطهرة، فكانوا لا يفعلون فعلًا ولا يصحبون أحدًا إلا إن علموا رضا الله -تعالى- فيه، فلا يحبون أحدًا ولا يبغضونه لعلة دنيوية، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (متفق عليه).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وقال بعضهم: "صحبة أهل الصلاح تورث في القلب الصلاح".

وقال أحمد بن حرب: ليس شيء أنفع لقلب العبد من مخالطة الصالحين والنظر إلى أفعالهم، وليس شيء أضر على القلب من مخالطة الفاسقين والنظر إلى أفعالهم".

7- ومن أخلاقهم -رضي الله عنهم-:

قلة الضحك وعدم الفرح بشيء من الدنيا، بل كانوا ينقبضون بكل شيء حصل لهم من ملابسها ومراكبها ومناكحها ومناصبها، عكس ما عليه أبناء الدنيا؛ كل ذلك خوفًا أن يكون من جملة ما عجل لهم من نعيم الآخرة.

قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لولا أني أخاف أن ينقص من حسناتي لشاركتكم في لين عيشكم، ولكني سمعتُ الله عيَّر قومًا فقال: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) (الأحقاف:20).

وما تميز أهل الله -عز وجل- عن غيرهم إلا بالإقبال على الآخرة والتهيؤ لأحوالها، فتأمل يا أخي في نفسك وما أنت منطوٍ عليه من الغفلة والسهو عما يقربك إلى الله -تعالى-، وأكثر من الاستغفار.

تمنوا الموت إذا خافوا على أنفسهم الوقوع فيما يسخط الله -عز وجل-، وذلك بأماراتٍ تظهر لهم من أنفسهم هي كالمقدمات للمعاصي، والأصل أن المؤمن لا يتمنى الموت إلا إذا خاف فتنة في الدين؛ وذلك لأن المؤمن لا يزداد من الدنيا إلا خيرًا.