ودق ناقوس الخطر! التربية الجنسية (8)

  • 552

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- ومما ينبغي أن يَعلمه في هذا السن -من (15 - 18) سنة- سواء سأل أو لم يسأل: الشذوذ الجنسي وحرمته!

ولا بد وأن يكون الجواب من خلال قصة قوم لوط -عليه السلام- كما قصها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) (النساء: 87)؛ ولأن فيها عبرة وحكمًا.

أما الإجابة عن سؤال الشذوذ الجنسي فيكون كالتالي:  

- لقد خلق الله الرجل والمرأة، وخلق فيهما الشهوة، وخلقهما ينجذب كلٌّ منهما للآخر؛ فإذا انحرفت هذه الفطرة، وصار الرجل يميل إلى الرجل، أو المرأة إلى المرأة، كان هذا هو: الشذوذ الجنسي، ومن فعل ذلك -عياذًا بالله- فحده القتل، ولعنه الله -عز وجل- كما قص الله -تعالى- علينا قصة قوم لوط.

فـ"لوط هو ابن هاران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل -عليهما السلام-، وكان قد آمن مع إبراهيم -عليه السلام -، وهاجر معه إلى أرض الشام، فبعثه الله -تعالى- إلى أهل "سدوم" وما حولها من القرى، يدعوهم إلى الله -عز وجل-، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها، لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور، وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه، ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل "سدوم" عليهم لعائن الله.

قال لهم لوط -عليه السلام-: (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:80).

قال عمرو بن دينار -رحمه الله-: "ما نزا ذكر على ذكر، حتى كان قوم لوط".

وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي باني جامع دمشق: "لولا أن الله -عز وجل- قص علينا خبر لوط، ما ظننت أن ذكرًا يعلو ذكرًا".

وقال محمد بن سيرين -رحمه الله-: "ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار".

وقال لهم: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ) (الأعراف:81).

"أي: عدلتم عن النساء، وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال، وهذا إسراف منكم وجهل؛ لأنه وضع الشيء في غير محله؛ ولهذا قال لهم في الآية الأخرى: (قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) (الحجر:71)، فأرشدهم إلى نسائهم، فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن، (قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ) (هود:79)، أي: لقد علمت أنه لا أرب لنا في النساء، ولا إرادة، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك.

وذكر المفسرون: "أن الرجال كانوا قد استغنى بعضهم ببعض، وكذلك نساؤهم كن قد استغنى بعضهن ببعض أيضًا".

وكان من جرائمهم التي نهاهم عنها:

- (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (العنكبوت:29).

وكانوا مع هذا يكفرون بالله، ويكذبون رسوله ويخالفونه، ويقطعون السبيل، أي: يقفون في طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم.

(وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ) أي: يفعلون ما لا يليق مِن الأقوال والأفعال في مجالسهم التي يجتمعون فيها، لا ينكر بعضهم على بعض شيئًا من ذلك، فمِن قائل: كانوا يأتون بعضهم بعضًا في الملأ؛ قاله مجاهد. ومِن قائل: كانوا يتضارطون ويتضاحكون؛ قالته عائشة -رضي الله عنها-، والقاسم. ومن قائل: كانوا يناطحون بين الكباش، ويناقرون بين الديوك، وكل ذلك كان يصدر عنهم، وكانوا شرًّا من ذلك.

فلما وقّفهم على هذه القبائح، قال الله -تعالى-: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (العنكبوت:29).

وهذا من كفرهم واستهزائهم وعنادهم؛ فجاءهم الذي كانوا به يستهزئون، قال الله -تعالى- عن الملائكة -عليهم السلام-: (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) (هود:81)، فأمروه أن يسري بأهله من آخر الليل، وأن يتبع أدبارهم -أي: يكون ساقة لأهله-.

(وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ): أي إذا سمعت ما نزل بهم، ولا تهولنكم تلك الأصوات المزعجة، ولكن استمروا ذاهبين كما أنتم.

-  فأنجى الله لوطًا وأهله، ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط، كما قال -تعالى-: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الذاريات:35-36)، (إِلَّا امْرَأَتَهُ) (العنكبوت:32)، فإنها لم تؤمن به، بل كانت على دين قومها، تمالئهم عليه، وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم؛ ولهذا لما أمر لوط -عليه السلام- أن يسري بأهله، أمر ألا يعلم امرأته ولا يخرجها من البلد. ومنهم من يقول: بل اتبعتهم، فلما جاء العذاب التفتت هي فأصابها ما أصابهم، والأظهر: أنها لم تخرج من البلد، ولا أعلمها لوط، بل بقيت معهم؛ ولهذا قال هاهنا: (إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) (العنكبوت:32)، أي: الباقين. ومنهم مَن فسَّر ذلك: من الهالكين، وهو تفسير باللازم.

- ثم قربوا له هلاك قومه تبشيرا له؛ لأنه قال لهم: "أهلكوهم الساعة"، فقالوا: (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).

هذا وقوم لوط وقوف على الباب وعكوف، قد جاءوا يهرعون إليه من كل جانب، ولوط واقف على الباب يدافعهم ويردعهم وينهاهم عما هم فيه، وهم لا يقبلون منه، بل يتوعدونه، فعند ذلك خرج عليهم جبريل -عليه السلام - فضرب وجوههم بجناحه، فطمس أعينهم، فرجعوا وهم لا يهتدون الطريق.

(فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ) (هود:82)، وكان ذلك عند طلوع الشمس. (جَعَلْنَا عَالِيَهَا) وهي قريتهم العظيمة وهي سدوم ومعاملتها، (سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ)، والسجيل: حجارة من طين، قاله ابن عباس وغيره.

و(مَّنضُودٍ): منضودة في السماء، أي: معدة لذلك. وقال آخرون: يتبع بعضها بعضًا في نزولها عليهم؛ وذلك أن جبريل -عليه السلام- أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط المؤتفكات وهي خمس مدائن، وفيها أربعمائة ألف، وقيل: أربعة آلاف ألف، فرفع المدائن كلها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة، ونباح الكلاب، فلم يكفأ لهم إناء ولم ينتبه نائم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها. (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا) أي: على شذاذها ومسافريها.

(مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (هود:83)، أي: وما هذه النقمة ممن تشبه بهم في ظلمهم، ببعيد عنه.

(وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) (الذاريات:37)، أي: جعلناها عبرة، لما أنزلنا بهم من العذاب والنكال وحجارة السجيل، وجعلنا محلتهم بحيرة منتنة خبيثة، ففي ذلك عبرة للمؤمنين، للذين يخافون العذاب الأليم".

هذه قصة لوط -عليه السلام- مع قومه جمعتها -باختصارٍ وتصرفٍ- من تفاسير: البغوي، وابن كثير، والقرطبي؛ تُحكى هكذا من خلال آيات القرآن وتفسير العلماء.

يتبع -إن شاء الله-.