قصة الذي دخل الجنة بتنحيته الأذى عن الطريق

  • 4941

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- قصة قصيرة تحمل أدبًا وحكمًا مِن آداب وأحكام الطريق: روى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَذَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ) (متفق عليه)، وفى رواية عند مسلم: (مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ)، وفى رواية أخرى عنده: (لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ).

- الطريق مكان عام، يشترك فيه الناس جميعًا في المنفعة؛ ولذلك جعل له الإسلام آدابًا وأحكامًا؛ هذا أحدها: فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ) قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟، قَالَ: (غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ) (متفق عليه).

- البعض يحكي انبهارًا طرق بلاد غير المسلمين، وأنها من أسباب نعيم الدنيا، وينسى أن الإسلام هو الذي علم البشرية ذلك: (إشارة الى عناصر الحديث الثلاثة الآتية).

(1) فضل إماطة الأذى عن الطريق في الإسلام:

- الترغيب والحث عن النظافة وجعلها دينًا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبةً، أعلاها قولُ لا إله إلا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا -أُرَاهُ قَالَ:- أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ" (رواه الترمذي وحسنه).

- المسلمون العاملون بتعاليم الإسلام يحرصون على نظافة طرقهم؛ لأنه دين عندهم، يرجون به الثواب من ربهم: عن أبي برزة -رضي الله عنه- قال: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ. قَالَ: (اعْزِلْ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ) (رواه مسلم).

- وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) (متفق عليه). ومن كلام المسلمين: "النظافة من الإيمان".

- بل، ومن عظيم فهم خلفاء المسلمين أن جعلوه مسئوليتهم مع الرعية: قال أبو موسى الأشعري لما قدم البصرة أميرًا: "بعثني إليكم عمر بن الخطاب أعلمكم كتاب ربكم وسنتكم، وأنظّف طرقكم" (سنن الدارمي 566).

- ولذلك كان إماطة الأذى عن الطريق من سمات المجتمع المسلم الذي يفتخر به النبي -صلى الله عليه وسلم: قال -صلى الله عليه وسلم-: (عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، لَا تُدْفَنُ) (رواه مسلم).

(2) تحريم إيذاء المسلمين في طرقهم:

- الإسلام يحرم ذلك، ويرهب من عاقبته (إشارة إلى بعض صور الأذى في زماننا): (إلقاء النفايات بأنواعها في الطريق - غرس المواسير الحديدية والكتل الأسمنتية أمام البيوت والمحلات - عرض التجار سلعهم في الطريق - وضع المقاهي الكراسي ونحوها على الطريق - وغير ذلك ...).

- أصحاب هذه الأعمال مستحقون للعقوبة في الدنيا والآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ) (رواه الطبراني في الكبير، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا وَفِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) (رواه أحمد وابن ماجه، وحسنه الألباني).

تأمل في القصة فعل الرجل الصالح، فإنه قطع جزءًا من شجرة نافعة في أصلها، ولكن كان جزءًا منها في الطريق يؤذي الناس؛ فكيف بالذين يخرجون إلى الطريق ما كان أصله وفرعه يؤذي الناس؟!

(3) عناية علماء الإسلام ببيان أحكام وآداب الطريق:

- لقد أَوْلَوا الطريق عناية فائقة، فذكروا تفصيلات عجيبة في حفظ حق الطريق في ضوءِ ما جاء في الكتاب والسُّنة (لا بأس أن تقرأ من الورقة):

- عقد أبو حامد الغزالي -رحمه الله تعالى- فصلًا في إحياء علوم الدين، عنوانه: "منكرات الشوارع"، أطال فيه، فكان مما قال: "فمِن المنكرات المعتادة فيها: وضع الأسطوانات وبناء الدكات متصلة بالأبنية المملوكة وغرس الأشجار، وإخراج الرواشن والأجنحة، ووضع الخشب، وأحمال الحبوب والأطعمة على الطرق، فكل ذلك منكر إن كان يؤدي إلى تضييق الطرق واستضرار المارة... وكذلك ربط الدواب على الطريق بحيث يضيق الطريق وينجس المجتازين منكر يجب المنع منه إلا بقدر حاجة النزول والركوب، وهذا لأن الشوارع مشتركة المنفعة وليس لأحد أن يختص بها إلا بقدر الحاجة. والمرعى هو الحاجة التي تراد الشوارع لأجلها في العادة دون سائر الحاجات، ومنها: سوق الدواب وعليها الشوك بحيث يمزق ثياب الناس فذلك منكر... وكذلك ذبح القصاب إذا كان يذبح في الطريق حذاء باب الحانوت ويلوث الطريق بالدم فإنه منكر يمنع منه... وكذلك طرح القمامة على جواد الطرق وتبديد قشور البطيخ أو رش الماء بحيث يخشى منه التزلق والتعثر؛ كل ذلك من المنكرات، وكذلك إرسال الماء من الميازيب المخرجة من الحائط في الطريق الضيقة، فإن ذلك ينجس الثياب أو يضيق الطريق... وكذلك إذا كان له كلب عقور على باب داره يؤذي الناس فيجب منعه منه".

- وقال أبو طالب المكي -رحمه الله-: "وكان الورعون لا يشترون شيئًا ممن قعد يبيعه على طريق، وكذلك إخراج الرواشن من البيوت، وتقديم العضايد بين يدي الحوانيت إلى الطريق مكروه" (قوت القلوب 1/ 286).

- وقال -رحمه الله تعالى- أيضًا: "وَمِمَّا كَرِهَهُ السَّلَفُ طَرْحُ السِّنَّوْرِ وَالدَّابَّةِ عَلَى المَزَابِلِ فِي الطُّرُقَاتِ، فَيَتَأَذَّى المُسْلِمُونَ بِرَوَائِحِ ذَلِكَ، وَكَانَ شُرَيْحٌ وَغَيْرُهُ إِذَا مَاتَ لَهُمْ سِنَّوْرٌ دَفَنُوهَا فِي دُورِهِمْ، وَمِثْلُهُ إِخْرَاجُ المَيَازِيبِ وَصَبُّهَا إِلَى الطُّرُقَاتِ" (قوت القلوب، 1/ 287).

- وقال -رحمه الله-: "حُدثت عن أبي بكر المروزي: أن شيخًا كان يجالس الإمام أحمد بن حنبل -رحمه اللّه- ذا هيبة، فكان أحمد يقبل عليه ويكرمه فبلغه عنه أنه طيَّن حائط داره من خارج، قال: فأعرض عنه في المجلس فاستنكر الشيخ ذلك فقال: يا أبا عبد اللّه هل بلغك عني حدث أحدثته؟ قال: نعم، طينت حائطك من خارج، قال: ولا يجوز؟ قال: لا؛ لأنك قد أخذت من طريق المسلمين أنملة قال: فكيف أصنع؟ قال: إما أن تكشط ما طينته، وإما أن تهدم الحائط وتواخره إلى وراء مقدار أصبع ثم تطينه من خارج قال: فهدم الرجل الحائط وأخّره أصبعًا ثم طينه من خارج، قال: فأقبل عليه أبو عبد اللّه كما كان" (قوت القلوب 1/ 287).

- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "لا يجوز لأحدٍ أن يخرج في طريق المسلمين شيئًا من أجزاء البناء حتى إنه ينهى عن تجصيص الحائط، إلا أن يدخل رب الحائط به بقدر غلظ الجص... ولا يجوز أن يبنى أحد في الطريق دكانًا ولو كان الطريق واسعًا" (مجموع الفتاوى 20/ 10).

(4) خاتمة:

- ماذا لو أقيمت هذه الأحكام في مجتمعاتنا الآن؟: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97).

- الإسلام يحث على ذلك لسعادة الدارين، وليس للدنيا وحدها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ) (رواه مسلم).

- لا تغتر بكثرة المخالفين، وعليك بنفسك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (المائدة:105).

والحمد لله رب العالمين.