من أخلاق السلف -رضي الله عنهم- (8)

  • 325

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

17- من أخلاقهم رضي الله عنهم:

نصح بعضهم بعضًا: فكان الكبير لا يتكدر مِن نصح الصغير له وبالعكس، وهذا بخلاف ما عليه أهل الرعونات اليوم، عملًا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) (رواه مسلم).

وكانوا يقبلون النصائح ويشكرون الناصح، ولا يرى أحدهم أنه قام بحق مَن نصحه ولو أحسن إليه مدى الدهر؛ وذلك لأن الأمور الأخروية لا تُقابل بالأعراض الدنيوية.

قال رجل للحسن البصري -رحمه الله-: "أوصني"، فقال له: "أعز أمر الله حيثما كنت، يعزك الله حيثما كنت".

وكان بعضهم يكتب إلى بعض بالنصيحة وإن بعدت الديار، وكان المنصوح يقبل النصح ويشكر من نصحه، خلاف ما عليه الناس اليوم، فلا تكاد تنصح أحدًا إلا ويصير ينظر في عيوبك ليهجوك بذلك!

كتب طاوس إلى مكحول -رحمهما الله تعالى- يقول له: "بعد السلام، احذر يا أخي أن تظن بنفسك أن لك مقامًا عظيمًا عند الله مما ظهر لك من أعمالك"، فإن مَن ظن بنفسه ذلك انقلب إلى الآخرة صفر اليدين من الخير، وربما عظمك الناس بسبب أعمالك الصالحة فاستعجلت ثوابها بذلك".

فاعلم ذلك يا أخي وانصح نفسك أولًا ثم انصح إخوانك مشافهة ومكاتبة، وإياك أن تنكدر ممن نصحك.

18- ومن أخلاقهم رضي الله عنهم:

حسن أدبهم مع الصغير فضلًا عن الكبير، ومع البعيد فضلًا عن القريب، ومع الجاهل فضلًا عن العالم، وقد قال الله -تعالى- لموسى وهارون -عليهما السلام-: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا) (طه:44)، مع أن فرعون كان مِن أفسق الكفار.

وأجمعوا على أن علو الدرجات إنما يكون بزيادة الأدب، والأصل في الأدب شهود النقص في أنفسهم والكمال في غيرهم، عكس مَن نظر إلى نفسه بعين الكمال، وإلى غيره بعين النقص، فإنه يورث الكبر -والعياذ بالله-.