ودق ناقوس الخطر! التربية الجنسية (11)

  • 610

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

الإسلام ومواجهة فتنة النساء:

قدمنا -فيما سبق- نماذج مِن مجهودات قوم كفار لمواجهة الانحلال في مجتمعاتهم، وهي من وسائل الإسلام لتجفيف منابع الفتنة بالمرأة! فهل نجحوا في شيء من ذلك؟!

الجواب واضح ومعلوم: لا!

بل ازداد الزنا وتوابعه ازديادًا طاغيًا بما يسمَّى اليوم بــ"الثورة الجنسية!".

لماذا مع أن هذه وسائل واجه بها الإسلام الفتنة؟!

لأن هذه القوانين التي سنوها مِن وضع الإنسان، أما وسائل الإسلام من وضع رب الإنسان، وهذا فرق هائل بين الإسلام وغيره، فالإسلام دين الله الحق الذي واجب الاتباع وما سواه باطل، قال -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران:19).

وسائل الإسلام لتجفيف منابع الفتنة:

- حرَّم الزنا والأسباب المفضية إليه: قال -تعالى-: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) (الإسراء:32).

الزواج:

جعل الإسلام الزواج وسيلة مشروعة لتحصين الفرج من الزنا، وأمر به لمن استطاع مؤنته، ومَن لم يستطع فأمره بالاستـعفـاف حتى يغنيه الله من فضله، قال -تعالى-: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور:32)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) (متفق عليه).

التعفف عن الزنا:

لقد جعل الله -تعالى- التعفف عن الزنا، والتصون منه من صفات المؤمنين المفلحين، فقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) (المؤمنون:5-7).

والمتعفف عن الزنا مع وجود الدواعي في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظل عرشه جزاءً من ربك عطاءً حسابًا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ... ) (متفق عليه).

الحجاب:

 قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب:59)، وقال -تعالى-: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور:31).

القرار في البيت:

قال الله -تعالى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) (الأحزاب:33)، فقرار المرأة في بيتها هو الأصل الأصيل في دائرة عملها، وما عداه استثناء، وبشروطٍ أخرى جماعها: حمايتها، وحماية المجتمع من الافتتان بها.

تحريم التبرج والتجمل للفت نظر الأجانب:

قال الله -تعالى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى).

والتبرج هو: "أن تبدى المرأة من زينتها ومحاسنها، وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجال". وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَعَصَى إِمَامَهُ، وَمَاتَ عَاصِيًا، وَأَمَةٌ أَوْ عَبْدٌ أَبَقَ فَمَاتَ، وَامْرَأَةٌ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، قَدْ كَفَاهَا مُؤْنَةَ الدُّنْيَا فَتَبَرَّجَتْ بَعْدَهُ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ) (رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني).  

الأمر بغض البصر:

قال الله -تعالى-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... ) (النور:30-31).

وعن بريدة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).

قال أنس -رضي الله عنه-: "إذا لقيت امرأة؛ فغمض عينيك حتى تمضي".

وقال العلاء بن زياد: "لا تتبع نظرك رداء المرأة؛ فإن النظر يجعل الشهوة في القلب".

تشريع الاستئذان:

- حرم الله -سبحانه وتعالى- الدخول إلى بيوت الأجانب إلا بإذن: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (النور:27-28).

- ووضحت السنة الهدف من الاستئذان: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ) (متفق عليه).

تحريم مس الأجنبية ومصافحتها:

لأن لمس الأجنبية باليد يحرِّك كوامن النفس، ويفتح أبواب الفساد، ويسهِّل مهمة الشيطان! فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أطهر ولد أدم وأخوفهم لله، وأرعاهم لحدوده يقول: (لاَ أَمَسُّ أَيْدِيَ النِّسَاءِ) (رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني).

تحريم الخلوة بالأجنبية:

وحقيقة الخلوة: أن ينفرد رجل بامرأة في غيبة عن أعين الناس، وقد صرَّح القرطبي -رحمه الله-: "بأن الخلوة بغير محرم من أكبر الكبائر، ومن أفعال الجاهلية"، وقد حكى الإجماع على تحريم الخلوة بالأجنبية غير واحد من العلماء، منهم: النووي، وابن حجر -رحمهما الله-.

تحريم خروج المرأة متطيبة متعطرة:

مِن المعلوم أن مِن دواعي فتنة الرجل بالمرأة، ونزوعه إليها، ما يشم منها من الطيب الذي يجرّ إلى الفتنة.

تحريم الخضوع بالقول:

قال الله -تعالى-: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا) (الأحزاب:32).

تحريم سفر المرأة بغير محرم:

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ)، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: (انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ) (رواه مسلم).

تحريم الاختلاط:

وهو: "اجتماع الرجل بالمرأة التي ليست بمحرمٍ له اجتماعًا يؤدي إلى ريبة"، أو: "هو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم، بالإشارة، أو: الكلام، أو: البدن، من غير حائل أو مانع يدفع الريبة والفساد".

قال -تعالى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) (الأحزاب:33)، فخير حجاب للمرأة بيتها، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وعندما اختلط الرجال بالنساء شاع الفساد!

"سأل أحد رجال السياسة في أوروبا العلامة أحمد وفيق باشا العثماني -وكان سريع الخاطر، حاضر الجواب-: "لماذا تبقى نساء الشرق محتجبات في بيوتهن مدى حياتهن، من أن غير يخالطن الرجال ويغشين مجامعهن؟! فأجابه في الحال قائلًا: لأنهن لا يرغبن أن يلدن من غير أزواجهن!

وكان هذا الجواب كصب ماء بارد على رأس هذا السائل، فسكت على مضض كأنه ألقم الحجر.

وبعد، فهذه تدابير الإسلام الوقائية لمنع وقوع الفتنة، طبَّقها سلفنا الصالح على أنفسهم، فكانت النتيجة صلاحًا في أنفسهم، وصلاحًا في مجتمعهم، ولما بعُد خلفهم عن دينهم -وأسباب ذلك كثيرة- كانت الفتنة وأسبابها!" (انتهى من فتنة النساء للكاتب).

وبذلك نختم مقالاتنا حول التربية الجنسية، سائلين الله -تعالى- بأسمائه الحسني وصفاته العليا أن يحفظنا وشبابنا وفتياتنا بحفظه. آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.