من أخلاق السلف -رضي الله عنهم- (9)

  • 486

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

19- من أخلاقهم رضي الله عنهم:

تقديم أعمال الآخرة دائمًا على أعمال الدنيا، فيقدِّم أحدهم ورده بعد صلاة الصبح على سائر مهماته، كما يقدم التهجد في الليلة الباردة على نومه تحت اللحاف، وعلى ذلك درج السلف الصالح -رضي الله عنهم-، فمن أصبح وهمته في الدنيا؛ فهو خارج عن طريقهم.

قال الله -تعالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا . وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (الإسراء:18-19).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

كان مالك بن دينار -رحمه الله تعالى- يقول: "مَن خطب الدنيا طلبت منه دينه كله في صداقها، لا يرضيها منه إلا ذلك".

وقال علي -رضي الله عنه-: "ارتحلت الآخرة مقبلة، وارتحلت الدنيا مدبرة؛ فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل".

20- ومِن أخلاقهم رضي الله عنه:

عدم غفلتهم عن ذكر الله -تعالى-، وعن الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل مجلسٍ جلسوه؛ قال الله -تعالى-: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) (العنكبوت:45)، وقال -تعالى-: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّت) (رواه البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ، إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وكان الحسن البصري -رحمه الله تعالى- يقول: "قد خفف الله -تعالى- علينا بقوله: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة:152)؛ لم يخص مكانًا دون مكانٍ، ولو أنه -تعالى- عيَّن لنا مكانًا نذكره فيه؛ لكان الواجب علينا السعي له ولو كان مسيرة مائة سنة، كما صنع في دعاء الناس إلى الكعبة، فله الحمد والمنة".

وكان الفضيل بن عياض -رحمه الله- يقول: "إذا ذكرتم الخلق في مجالسكم، فاذكروا الله -تعالى-؛ لأن ذكره دواء لداء ذكر الخلق".

وكان أبو المليح -رحمه الله تعالى- إذا ذكر الله -تعالى- يحصل له فرح وسرور، ويقول: "إنما طربي بذكر الله -تعالى- لي، فإنه -سبحانه وتعالى- يقول: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة:152)، وكان إذا مشى في طريقٍ وهو غافل عن ذكر الله -تعالى-، رجع ثانيًا وذكر الله -تعالى- فيها ولو مرحلة، ويقول: إني أحب أن تشهد لي البقاع التي أمرُّ فيها كلها يوم القيامة!".

وكان يحيى بن معاذ -رحمه الله تعالى- يقول: "حادثوا القلوب بذكر الله، فإنها سريعة الغفلة".