• الرئيسية
  • المقالات
  • عِبَرٌ مِن التاريخ... حث الناس على التوبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الطاعون أو الوباء

عِبَرٌ مِن التاريخ... حث الناس على التوبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الطاعون أو الوباء

  • 651

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

ففي شهر ذي القعدة من سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة اُشتهر أمر الطاعون في الوجه البحري من بلاد مصر، فيقال: مات بالمحلة خمسة آلاف نفس، وبالنَّحرارية تسعة آلاف، ومات في الإسكندرية في كل يوم مائة وخمسون، إلى غير ذلك.

فلما استهل ربيع الآخر كان عدة مَن يموت بالقاهرة اثني عشر نفسًا، وفي آخره قاربوا الخمسين، وفي أول يومٍ مِن جمادى الأولى بلغوا مائة، ثم كثر فيهم الموت أضعاف ما كان، وبلغ في اليوم ثلاثمائة بالقاهرة خاصة، سوى مَن لا يَرِدُ الديوان.

ووُجد بالنيل والبرك شيء كثير مِن الأسماك والتماسيح موتى طافية، وكذا وُجد في البرية عدة من الظباء والذئاب.

وفي رابع جمادى الأولى بلغت عدَّة الموتى بالقاهرة خاصة في اليوم ألف نفس ومائتي نفس، وانتهى عدد من صُلِّيَ عليه في اليوم خمسمائة وخمسة أنفس، وضبط جميع المصليات في يومٍ واحدٍ فبلغت ألفي نفس ومائتين وستة وأربعين نفسًا، وعزَّ وجود حمَّالي الموتى وغُسَّالهم ومَن يحفر القبور حتى عملوا حفائر كبارًا كانوا يلقون فيها الأموات، وسُرق كثير من الأكفان، ونَبَشت الكلابُ كثيرًا فأكلتهم من أطراف الأموات.

ولما اشتد الأمر بالطاعون أمر السلطان استفتاء العلماء عن نازلة الطاعون: هل يشرع الاجتماع للدعاء برفعه؟ أو يشرع القنوت له في الصلوات؟ وما الذي وقع للعلماء في الزمان الماضي؟ فكتبوا الأجوبة وتشعبت آراؤهم، وتحصل منها على أنه يشرع الدعاء والتضرع، وتُقدَّم قبل ذلك التوبة والخروج من المظالم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنهم لا يستحضرون عن أحد من السلف أنهم اجتمعوا لذلك.

واختلف علماء المذاهب في مشروعية القنوت في الصلوات، ثم طُلب القضاة والعلماء إلى حضرة السلطان فقرئت الفتاوى وفُسِّرت للسلطان، فأجاب: أنا أتابع الصحابة والسلف الصالح ولا أخرج، بل كل واحد يبتهل إلى الله تعالى في سره! ثم سألهم عن المراد بالمظالم التي كتبوا في الفتاوى أنهم يخرجون منها، فذكروا له أشياء مجملة، فقال: مهما تجدد بعد الظاهر برقوق أنا أزيله! وأمر السلطان القضاة والأمراء بأن يأمروا الناس بالتوبة والإقلاع عن المعاصي، والإكثار من الطاعات ونحو ذلك. (إنباء الغمر لابن حجر العسقلاني، 3/ 436 -439) بتصرفٍ واختصارٍ).

فانظر إلى هذه الأحداث...

وتأمل في استفتاء السلطان للعلماء ورجوعه إليهم عند وقوع المصيبة، وتدبر في حرصه على متابعة الصحابة، والسلف الصالح في عدم الاجتماع للدعاء.

وقِف مع فتوى العلماء أنه يشرع الدعاء والتضرع، والتوبة، والخروج من المظالم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنبَّه إلى أمر السلطان القضاة والأمراء بأن يأمروا الناس بالتوبة والإقلاع عن المعاصي، والإكثار من الطاعات.

فما أحوجنا عند البلاء والوباء إلى هذه الأمور، وألا يغلب على مواقفنا الحسابات المادية التي تغلغلت لدى غير المسلمين!

نسأل الله أن يرفع عنا وعن المسلمين الوباء والبلاء. 

وكم في التاريخ من عِبَرٍ، فاعتبروا يا أولي الأبصار.