• الرئيسية
  • المقالات
  • عِبَر من نازلة كورونا (5) (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)

عِبَر من نازلة كورونا (5) (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)

  • 523

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

- فمع الآثار السلبية الكثيرة لوباء كورونا في العالم؛ إلا أن الحال لا يخلو مِن آثار وتوابع إيجابية أيضًا كثيرة، ومن ذلك: توقف كثير من صور المعاصي والانحراف على مستوى بلاد العالم أيضًا.

- فقد توقفت فاعليات الترفيه واللهو على جميع المستويات تقريبًا (الملاهي الليلية، والسينمات، والمسارح، والشواطئ، والمقاهي، والنوادي، وصالات عروض الأزياء، وغيرها) وجلس أربابها في البيوت، وبالجملة صور الاختلاط المحرم على جميع النواحي تقريبًا في جوانب كثيرة في الحياة على مستوى العالم.

- وهنا عبرة عظيمة من خلال تساؤل: ماذا لو أرادت أعظم الدول قوة وبطشًا وإعلامًا، ووسائل ترغيب وترهيب من كل الألوان، أن تمنع هذه المعاصي على هذا النحو، فهل كانت تستطيع فعل ذلك؟! كلا والله لو اجتمعت دول الأرض كلها على أن تمنع البشر من ممارسة هذه المعاصي على نحو ما كان قبل نازلة كورونا، لما استطاعوا.

- ولكن كان ذلك بقدرة القدير العزيز القاهر بكن، كن كورونا في الأرض لتتغير هذه المظاهر، وتوقف هذه المعاصي، كن كورونا في الأرض لتحبس كثيرًا من العصاة عن معاصيهم.

- وفي الحقيقة لا يرى ذلك ولا يستشعره إلا المؤمن صاحب القلب والبصيرة، فلا يجد إلا أن يقول: (فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء:19)، نعم، وباء كورونا تسبب في أضرار كبيرة جدًّا، ولا يزال على مستوى الأرض كلها، ولكن هل يكون مِن هذا الضرر المكروه للنفوس خير؟

الجواب: نعم، فما ذكرنا من صور توقف المعاصي في جوانب كثيرة هو خير كبير، والمؤمن وإن كان يتألم لوجود الشر الناجم على نازلة كورونا؛ إلا أنه إذا نظر إلى جانب توقف كثير من المعاصي والشر في العالم، حمد الله وشكره على كل حال مع سؤال العافية، واستحضر قوله -تعالى-: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216)؛ لا سيما إذا تأمل المؤمن الموضعين من القرآن الذين وردا فيهما هذا المعنى في السياق.

- فيجد الأولى نزلت في شأن الجهاد في سبيل الله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (البقرة:216)، فالقتال تزهق فيه أرواح المؤمنين وتراق دماؤهم على أيدي الكفار، لكنه خير من جهة أخرى، فهو لإعلاء كلمة الله في الأرض، ثم هو شهادة للمسلم ينال بها أعلى الجنان.

- ويجد الموضع الثاني في شأن الحياة الزوجية: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء:19)، فقد يكره الرجل المرأة لأمورٍ دنيويةٍ، ليست دينية، فجاء الأمر بالصبر والإحسان إليها، فقد يكون منها الذرية الصالحة المباركة التي تكون قرة عين للرجل، ونصرة للدين.

- فهذا الوباء مع ما فيه من شر كبير على أهل الأرض؛ إلا أن هناك جوانب من الخير، على نحو ما سبق.

فنسأل الله تعالى أن يجعل من بعد الشر خيرًا، ومن بعد العسر يسرًا، فإنه على كل شيء قدير، وهو في خلقه وتقديره حكيم خبير.

والحمد لله رب العالمين.