إن ربي غني كريم

  • 346

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن الله -سبحانه وبحمده- مع كمال غناه هو كريم منان رحيم، فمن رحمته بعباده أن جعل لهم ثواب وأجر على ما يعملونه من أعمال، وجعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ومِن كمال رأفته أيضًا أن مَنَّ علي عباده وضاعف لهم في أجور العبادات؛ لا سيما العبادات التي قد يكون في فعلها ثقلًا أو صعوبة بعض الشيء على النفس، فضاعف لهم في الثواب ليكون معينًا لهم على أدائه، فيستصحب العبد ثواب عمله مما يكون من أعظم العون على اداء ما افترضه الله -سبحانه وبحمده-.

ونضرب على ذلك مثالًا: فضل صلاة الفجر لما يحتاج إليه من ترك النوم والراحة، فالبعض قد يستثقلها لذلك، فمِن فضل الله الغني الرحيم أن عدد وأكثر لهم من فضائلها لتقبِل القلوب على أدائها، قد ورد مثلًا عدد لا بأس من الأحاديث المتنوعة الفضائل التي تتحدث عن أهميتها وفضلها، منها قول الله -تعالى-: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الإسراء:78).

وعنه أيضًا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) (متفق عليه)، والبردان هما: الفجر والعصر.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) (متفق عليه).

فهذا الحديث المذكور اشتمل على ترهيب وهو الابتعاد عن الاتصاف أو الاشتراك مع المنافقين في صفة من صفاتهم، وكذا ترغيب وتشويق بديع، فقد أخفى -صلى الله عليه وسلم- الأجر، ولكنه ذكر أنه لو يعلم العبد قدر هذا الأجر لأتاه ولو كان حابيًا على يديه ورجليه ليحصله، فما أجله وما أعظمه من أجر!

وكذا قال في سنة الفجر: (رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) (رواه مسلم)، فإذا كان هذا فضل النافلة؛ فكيف بفضل الفريضة، وغير ذلك من الأحاديث؟! ولكن ما ذكرنا هو إشارة إلى هذا الفضل.

وكذلك الحج لما يصحب القيام به من كلفة المال والبدن والسفر أيضًا فتجد الثواب العظيم لمن بر في حجه فكان على النحو المرضي لله -سبحانه- من تأدية أحكامه، ومن تجنب الآثام، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الجَنَّةُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

فذكر فضائل متنوعة من إزالة الفقر الذي قد يتوهم والله أعلم من النفقة على المتابعة والسفر والكلفة، وذكر ثواب الحج المبرور، وأنه ليس له ثواب إلا الجنة، وحتى في المنهيات فقد مَنَّ الله -تعالى- على عباده بالفضل العظيم لمَن أرضى الله وتجنب سخطه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ... ) وذكر منهم -صلى الله عليه وسلم-: (وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه) (متفق عليه).

فمع أن المرأة هي الداعية وهي ذات منصب وجمال فلا يصمد أمام ذلك أحد إلا بعون وتوفيق الله، فمن وجد كل هذه المغريات وتركها خشية لله -سبحانه-، فالله تعالى يمن عليه بأن يظله في ظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله.

وحتى عند شدة البلاء وثقله تجد أن الله الرحيم الودود يمنن على عباده بالأجر العظيم لمن صبر لينسيهم وليبرد عليهم هذا الأجر حرارة البلاء وشدته، كما هو الحال مع مَن فقد بصره، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنَّ اللَّه قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبدِي بحبيبتَيْهِ فَصبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجنَّةَ) يُريدُ عينيْه (رواه البخاري).

بل وأيضا فيمن قدر الله ورزقه بالبنات، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَنَاتِ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ؛ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

قال النووي -رحمه الله- تبعًا لابن بطال: "إنما سماه ابتلاء؛ لأن الناس يكرهون البنات، فجاء الشرع بزجرهم عن ذلك ورغب في إبقائهن وترك قتلهن بما ذكر مِن الثواب الموعود به مَن أحسن إليهن وجاهد نفسه في الصبر عليهن".

فلله الحمد رب السماوات، ورب الأرض، رب العالمين.