استقبال رمضان والبحث عن المُعين!

  • 245

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلقد جاء رمضان هذا العام مصحوبًا بآلام؛ بألم المساجد المغلقة، فقد كانت مصابيح التراويح في المساجد تنير بالليل، يجتمع عليها الرجال والنساء والأطفال، وتكمل فرحة الجميع في المسجد؛ بل ومنهم مَن يرجع للتهجد، وترى كثيرًا مِن الناس ساهرين في قيام الليل وتلاوة القرآن حتى السحور، ثم يأتون إلى صلاة الفجر في جماعة، ومنهم مَن يمكث إلى شروق الشمس ذاكرًا لربه تاليًا لكتابه.

هذا كله حُرمنا منه؛ فالمساجد بيوت الله -تعالى- في أرضه، وهي بيت كل تقي، وقلوب الصالحين معلقة بها، من أتاها لأداء فريضة؛ فهو زائر الله، وحقٌ على المزور أن يكرم الزائر.

هذا المحل الطاهر المعلقة به القلوب المؤمنة المحبة للصلاة في الجماعة، والمكث فيه قد حُرمنا منه، ولا شك أنه بذنوبنا، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفع إلا بتوبة.

فعلينا أن نجعل مِن رمضان تطهيرًا لهذه الذنوب، ومحاسبة للنفس من أين أُتينا؟ (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمرن:135)، لا شك مِن الذنوب، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، والتقصير في الصلاة في المساجد، وتفريطنا في حضور الدروس، وانشغالنا بدنيانا عن آخرتنا والدعوة إلى الله -تعالى-، وبذنوب غيرنا أيضًا.

أسباب كثيرة تجعل العاقل يسأل: مِن أين أُتينا؟

فيجعلنا ذلك ننشغل بالتوبة والاستغفار، واغتنام الزمان الفاضل في طاعة الله.

- ومِن الألم فُقدان المعين؛ فخير معين على طاعة الله -تعالى- الصحبة الصالحة الذين لا يشقي بهم جليسهم، قال عمر -رضي الله عنه-: "ما أُعطي العبد بعد الإسلام نعمة خيرًا من أخ صالح".

وقال الحسن -رحمه الله-: "إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا؛ لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا، وإخواننا يذكروننا بالآخرة".

وقال الشافعي -رحمه الله-: "إذا كان لك صديق يعينك على الطاعة فشُد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب، ومفارقته سهلة"، لكن دائمًا لا تقف عند الألم، وانتقل من الانفعال إلى الفعل، وفر من قدر إلى قدر، وتعبد لله عبادة الوقت؛ فاجعل من نفسك رقيبًا على نفسك، ومعينًا لها، وحدّد لنفسك جدولًا قسّم الطاعات فيه على الأوقات.

وخذ بيد مَن تحت يدك مِن زوجة وولد إلى طاعة الله رويدًا رويدًا.

- وليتسع بيتك بذكر الله وتلاوة القرآن.

- وخذ بيد غيرك من إخوانك بالتذكير والسؤال، والاتصال الهاتفي لإيقاظه وقت السحر؛ ليتهجد ويتسحر ويصلي الفجر، وادع لهم، قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "إني لأدعو لأربعين من إخواني في سجودي، أسميهم بأسمائهم".

- والتفقد التفقد، تلكم السُنة الغائبة عنا؛ فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يتفقد أصحابه، كما سأل عن ثابت عن قيس -رضي الله عنه-، وكذا تفقد عمر سليمان بن أبى حَثْمَةَ، لما فقده في صلاة الفجر.

- وقال عطاء: "تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم، وإن كانوا نسوا فَذَكِّروهم".

- فلنتفقد إخواننا في هذه الأيام الطيبة؛ بالسؤال والنصح، وبالصلة والإعانة على المعاش؛ فإنه قد نزلت بنا نازلة عظيمة، افتقر بسببها كثيرٌ من الأعفّاء؛ ففتش عنهم، وأعنهم على معاشهم لتتفرغ قلوبهم لطاعة الله في هذا الشهر الفضيل.

فإن مِن أفضل الطاعات مطلقًا، وفي شهر رمضان خاصةً لا سيما في هذه النازلة هو إطعام الإطعام، وتفطير الصّوام، قال -صلى الله عليه وسلم- أول ما قال عند قدومه المدينة: (أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أحَبُّ الأعْمَالِ إِلَى الله -عَزَّ وجَلَّ- سُرُورٌ تُدْخِلُهُ على مُسْلِمٍ أوْ تَكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً أوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ) (رواه أحمد والحاكم، وحسنه الألباني).

والله المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.