مواقع التواصل مشاركة أم مقاطعة؟ (1)

  • 297

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 

فقد روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) (رواه البخاري).

وفي عصرنا الحالي تعالت ألسنة الأقلام واشتدت نبراتها، وازدادت حدتها، وبانت من خلف الألواح اعوجاجها، وهان على الناس استخدامها، فتطاول الصغار على الكبار، وكثرت الآراء، وزادت الأهواء، وأخذ الحوار أشكالًا وألوانًا، فحاد بعضهم عن كل طريق للموضوعية في الطرح أو في العرض على مواقع التواصل الاجتماعي إلا مَن رحم ربي.

وكم يدمي القلب ويتعب النفس تطاولهم على أناس ما عُرف عنهم إلا البذل والجهد لدين الله -جل وعلا- على مدار تاريخهم بكل سفاقة وحماقة دون وعي أو إنصاف أو حسن ظن، والأهم أننا في الوقت الذي نختلف أنا وأنت فيه يقع شاب من شبابنا في مستنقعات المعاصي والكبائر، والتضليل والإلحاد، ونخسر وأي خسارة أكبر من رأس مالنا، والذين هم أبناؤنا وإخواننا؟!

بل قد تفتح صفحات البعض فتجد رصيدًا لا يستهان به من التهكم والسخرية والاستهزاء، والتجريح والتسفيه لفئاتٍ عريضةٍ من المجتمع، وأحيانًا تجد من بينهم شخصيات علمية وقامات مجتمعية ولا حول ولا قوة إلا بالله، أو تجد أخبارًا شاذة وكتابات مهينة ومشاهدات غريبة، وتعليقات سخيفة، فقد تجد أحيانًا مئات التعليقات على خبر مجهول ليس له مصدر ولا منبع رسمي، فيقاتل عليه أفراد! وربما يختلفون فيختصمون لذلك سنوات وسنوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال -تعالى-: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المجادلة:٦).

(واذكر -أيها الرسول- يوم القيامة، يوم يحيي الله الموتى جميعًا، ويجمع الأولين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ، فيخبرهم بما عملوا من خير وشر، أحصاه الله وكتبه في اللوح المحفوظ، وحفظه عليهم في صحائف أعمالهم، وهم قد نسوه، والله على كل شيء شهيد، لا يخفى عليه شيء" (التفسير الميسر).

أو يتبارز المتبارزون ويتنابز المتنابزون في قضايا وقف فيها أهل الحل والعقد، وأهل الدراية والخبرة، فبدأ يطفو مِن البعض سوء الخلق وهتك الأسرار، أو ربما نشر ما يشين، ويعيب صدقًا كان أو كذبًا أو وقع في فتنة صور المتبرجات والمصحوبة بالآت الطرب والمزمار المجمع على تحريمها!

ووصل الحال أحيانًا أن بعض الأزواج يغازل زوجته أو يخاصمها أو يصالحها على مواقع التواصل الاجتماعي أو العكس، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وبعضهم استهان بأعراض الناس فبدأ يراسل النساء الأجانب عنه ويتبع خطوات الشيطان.

ولا ندري أين ذهبت عقولهم فضلًا عن نخوتهم وغيرتهم التي هي من الدين، ويا ترى ما أهم أسباب هذا المعضلات؟

ولماذا ظهرت في عصرنا بشدة؟

وهل معنى ذلك أن نترك الساحة خالية من أهل الحق؟

هذا ما نتناوله في المقال القادم -بإذن الله-.