عاجل

مظاهر القسوة في مجتمعاتنا (28) آيات من القرآن في ذم القسوة (6)

  • 381

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:42-45).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "وقوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ) يعني: الفقر والضيق في العيش، (وَالضَّرَّاءِ) وهي الأمراض والأسقام والآلام، (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) أي: يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون. قال الله -تعالى-: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) أي: فهلَّا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا لدينا، (وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) أي: ما رقّت ولا خشعت، (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أي: مِن الشرك والمعاندة والمعاصي.

(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ) أي: أعرضوا عنه وتناسوه، وجعلوه وراء ظهورهم.

(فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) أي: فتحنا عليهم أبواب الرزق مِن كل ما يختارون، وهذا استدراجٌ منه -تعالى- وإملاءٌ لهم، عياذًا بالله من مَكْرِهِ؛ ولهذا قال: (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا) أي: مِن الأموال والأولاد والأرزاق، (أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً) أي: على غفلة، (فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) أي: آيسون من كل خير.

قال الوالِبِيّ عن ابن عباس: المُبْلِس: الآيس.

وقال الحسن البصري: مَن وسَّع اللهُ عليه فلم يرَ أنه يُمْكَرُ به؛ فلا رأي له، ومَن قُتِّرَ عليه فلم يرَ أنه يُنْظَرُ له؛ فلا رأي له، ثم قرأ: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) قال الحسن: مُكِرَ بالقوم وربِّ الكعبة؛ أُعْطُوا حاجتَهم ثم أُخِذُوا. رواه ابن أبي حاتم.

وقال قتادة: بَغَتَ القومَ أمرُ الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغَرَّتِهم ونعيمهم؛ فلا تَغْتَرُّوا بالله، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون. رواه ابن أبي حاتم أيضًا.

وقال مالك عن الزهري: (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) قال: رخاء الدنيا ويُسرها.

وروى الإمام أحمد -(قلتُ: بسند فيه ضعف)- عن عقبة بن عامر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا -على معاصيه- ما يحب، فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).

وروى ابن أبي حاتم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: إذا أرادَ اللهُ بقومٍ بقاءً -أو نماءً- رزقَهُمُ القصدَ والعفافَ، وإذا أرادَ اللَّهُ بقومٍ اقتطاعًا؛ فتحَ لَهُم -أو فتحَ علَيهم- بابَ خيانةٍ، (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) كما قالَ: (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)" (انتهى).

قال ابن جرير -رحمه الله- في تأويل قوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ): "يقول -تعالى ذكره- متوعدًا لهؤلاء العادلين به الأصنامَ، ومحذِّرَهم أن يسلك بهم -إن هم تمادَوا في ضلالهم- سبيلَ مَن سلك سبيلهم مِن الأمم قبلهم، في تعجيل الله عقوبته لهم في الدنيا، ومخبرًا نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- عن سنته في الذين خلوا مِن قبلهم مِن الأمم على منهاجهم في تكذيب الرسل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا) يا محمد، (إِلَى أُمَمٍ) يعني: إلى جماعات وقرون، (مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ) يقول: فأمرناهم ونهيناهم؛ فكذبوا رسلنا، وخالفوا أمرنا ونهينا؛ فامتحناهم بالابتلاء، (بِالْبَأْسَاءِ) وهي شدة الفقر والضيق في المعيشة، (وَالضَّرَّاءِ) وهي الأسقام والعلل العارضة في الأجسام. (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) يقول: فعلنا ذلك بهم ليتضرعوا إليّ، ويخلصوا إليّ العبادة، ويُفْردوا رغبتهم إليَّ دون غيري بالتذلل منهم لي بالطاعة، والاستكانة منهم إليّ بالإنابة.

وفي الكلام محذوفٌ قد استغني بما دلّ عليه الظاهر مِن إظهاره دون قوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ) وإنما كان سبب أخذه إياهم تكذيبهم الرسل، وخلافهم أمرَه؛ لا إرسال الرسل إليهم؛ وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن معنى الكلام: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) رسلًا فكذبوهم (فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ).

و"التضرع": هو "التفعل" من "الضراعة"، وهي الذلة والمسكنة.

وقوله: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، هذا أيضًا من الكلام الذي فيه متروك، استغني بدلالة الظاهر عن ذكر ما تُرك، وذلك أنه -تعالى ذكره- أخبرَ عن الأمم التي كذّبت رسلها أنه أخذهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا له، ثم قال: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)، ولم يخبر عما كان منهم من الفعل عند أخذه إياهم بالبأساء والضراء. ومعنى الكلام: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) فلم يتضرعوا، (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)، ومعنى: (فَلَوْلَا) في هذا الموضع: فهلَّا.

فتأويل الكلام إذًا: فهلَّا إذ جاء بأسنا هؤلاء الأمم المكذبة رسلَها -الذين لم يتضرعوا عند أخْذِناهم بالبأساء والضراء- (تَضَرَّعُوا) فاستكانوا لربهم، وخضعوا لطاعته؛ فيصرف ربهم عنهم بأسه، وهو عذابه، (وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوْبُهُمْ) يقول: ولكن أقاموا على تكذيبهم رسلهم، وأصرُّوا على ذلك، واستكبروا عن أمر ربهم؛ استهانةً بعقاب الله، واستخفافًا بعذابه، وقساوةَ قلب منهم، (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يقول: وحسَّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون من الأعمال التي يكرهها الله ويسخطها منهم.

وقوله -تعالى-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ): يعني -تعالى ذكره- بقوله: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ): فلما تركوا العمل بما أمرناهم به على ألسن رسلنا، وذكر عن ابن عباس قوله: (فَلمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ) يعني: تركوا ما ذُكروا به.

عن ابن جريج قوله: (نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ) قال: ما دعاهم الله إليه ورسله أبوْه وردُّوه عليهم.

(فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) يقول: بدلنا مكان البأساء الرخاء والسعة في العيش، ومكان الضراء الصحة والسلامة في الأبدان والأجسام؛ استدراجًا منَّا لهم.

وعن مجاهد في قول الله -تعالى ذكره-: (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) قال: رخاء الدنيا ويُسْرها على القرون الأولى.

وعن قتادة في قوله: (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) يعني: الرخاء وسعة الرزق.

وعن السدي قوله: (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) يقول: من الرزق.

وإن معنى ذلك: فتحنا عليهم -استدراجًا منا لهم- أبوابَ كل ما كنا سددنا عليهم بابه عند أخذنا إياهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا؛ إذ لم يتضرعوا، وتركوا أمر الله -تعالى ذكره-.

وآخر هذا الكلام مردودٌ على أوله؛ وذلك كما قال -تعالى ذكره- في موضع آخر من كتابه: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ . ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (الأعراف:94-95)، ففتح الله على القوم الذين ذكر في هذه الآية أنهم نسوا ما ذكرهم، بقوله: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) هو تبديله لهم مكانَ السيئة التي كانوا فيها في حال امتحانه إياهم، من ضيق العيش إلى الرخاء والسعة، ومن الضر في الأجسام إلى الصحة والعافية، وهو فتح أبواب كل شيء كان أغلق بابه عليهم، مما جرى ذكره قبل قوله: (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ)، فردّ قوله: (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) عليه.

ويعني -تعالى- بقوله: (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا) يقول: حتى إذا فرح هؤلاء المكذّبون رسلهم بفتحنا عليهم أبوابَ السَّعة في المعيشة، والصحة في الأجسام.

وعن السدي: (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا) مِن الرزق.

وعن حماد بن زيد قال: كان رجل يقول: رحم الله رجلًا تلا هذه الآية، ثم فكر فيها ماذا أريد بها: (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً).

وعن محمد بن النضر الحارثي في قوله: (أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً) قال: أُمهلوا عشرين عامًا.

ويعني -تعالى ذكره- بقوله: (أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً) أتيناهم بالعذاب فجأة، وهم غارُّون لا يشعرون أن ذلك كائن، ولا هو بهم حالٌّ.  

وعن ابن جريج: (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً) قال: أعجبَ ما كانت إليهم، وأغَرَّها لهم.

وعن السدي: (أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً) يقول: أخذهم العذابُ بغتةً.

وعن مجاهد: (أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً) قال: فجأة آمنين.

"فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ" فإنهم هالكون، منقطعة حججهم، نادمون على ما سلف منهم من تكذيبهم رسلَهم.

وعن السدي: (فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) قال: فإذا هم مهلكون، متغيِّر حالهم.

عن مجاهد: (فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) قال: الاكتئاب.   

قال ابن زيد: (فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) قال: "المُبْلِس": الذي قد نزل به الشرّ الذي لا يدفعه، والمبلس أشد من المستكين، وقرأ: (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)، وكان أول مرة فيه معاتبة وبقية، وقرأ قول الله: (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) حتى بلغ: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، ثم جاء أمرٌ ليس فيه بقية، وقرأ: (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)، فجاء أمر ليس فيه بقية، وكان الأوّل لو أنهم تضرعوا؛ كُشف عنهم.

وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا رأيتَ اللهَ يُعْطِي عبدَه في دُنْياه إنِّمَا هُو اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلا هذه الآية: (فَلمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ) إلى قوله: (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

وأصل "الإبلاس" في كلام العرب عند بعضهم: الحزن على الشيء، والندم عليه. وعند بعضهم: انقطاع الحجة، والسكوت عند انقطاع الحجة. وعند بعضهم: الخشوع. وقالوا: هو المخذول المتروك.

وأوَّلَه آخرون بمعنى الخشوع، وترْك أهله إياه مقيمًا بمكانه، والآخرون بمعنى الحزن والندم، يقال منه: "أبلس الرجل إبلاسًا"، ومنه قيل لإبليس: "إبليس".

(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال: فاستُؤْصِل القوم الذين عَتَوا على ربهم، وكذّبوا رسله، وخالفوا أمره عن آخرهم؛ فلم يُتْرك منهم أحدٌ إلا أُهْلِكَ بغتةً إذ جاءهم عذاب الله.

عن السدي: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) يقول: قُطع أصل الذين ظلموا.

قال ابن زيد في قوله: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) قال: استؤصلوا.

(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الثناء الكامل والشكر التام لله رب العالمين، على إنعامه على رسله وأهل طاعته بإظهار حججهم على مَن خالفهم مِن أهل الكفر، وتحقيق عِدَاتِهم ما وَعدوهم على كفرهم بالله وتكذيبهم رسله، مِن نقم الله وعاجل عذابه.

ولنا مع هذه الآيات وقفات -إن شاء الله-.