وقفات مع قصة أصحاب الكهف (1)

  • 444

(وقفة دعوية: أهمية دور الشباب في نصرة الدين)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنقف مع قصة أصحاب الكهف وقفات متنوعة: (عقدية - دعوية - فقهية - تربوية - إيمانية).

وهذه أول الوقفات، وهي وقفة دعوية بعنوان: "أهمية دور الشباب في نصرة الدين".

فإنك إذا تأملتَ قصة أصحاب الكهف؛ وجدتَ هذا الأمر ظاهرًا جليًّا، وهو دور الشباب في نصرة دين الله، قال -تعالى-: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى . وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا . هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) (الكهف:13-15).

لقد قام هؤلاء الشباب ونصروا عقيدة التوحيد، وقد بقي أثر موقفهم في قومهم مِن بعدهم؛ فإنه لما مات الملك الكافر رجع الناس الى توحيد الله -عز وجل- بأثر دعوة هؤلاء الشباب الأفاضل، الذين قاموا بإعلان دعوة التوحيد فيهم مِن قبل.

ولذا نقول: إن الشباب هم وقود الدعوة إلى الله -عز وجل-، وهم حملة الدِّين على مرِّ الزمان والتاريخ؛ وذلك لأن الشباب أكثر قبولًا مِن الشيوخ، فأكثر الشيوخ عندهم موانع كثيرة، ومن أعظمها: السن؛ إذ إن كثيرًا منهم يدعي أنه صاحب خبرة، وأنه له علم قديم، فما هذا الذي يأتي به الشباب ونحن لا نعلمه؟! فيكون ذلك حائلًا ومانعًا بينه وبين قبول الهداية والاستجابة، أما الشباب فليس عندهم ذلك.

وتعبِّر عن ذلك أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بقولها: "كانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسولِهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَقَدِمَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وقُتِّلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وجُرِّحُوا، قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسولِهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في دُخُولِهِمْ في الإسْلَامِ" (رواه البخاري)، أي: أن أهل يثرب قبل هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- دارت بينهم معركة، وهي ما تسمى بيوم بعاث؛ دارت بين الأوس والخزرج، قتل في هذه المعركة شيوخهم ورؤساؤهم ولم يبقَ منهم إلا ابن سلول، وهو الذى بقي بعد ذلك من الملأ يصد عن سبيل الله -عز وجل-.

وأما بقية الأوس والخزرج فكان جلهم من الشباب؛ ولذلك كان دخول الإسلام الى المدينة أسهل من مكة، وهذا ظاهر في أحوالهم ودعوتهم، والمواقف في ذلك كثيرة، فمِن ذلك: ما كان مِن شباب وفتيان بني سلمة بقيادة معاذ بن جبل، ومعاذ بن عمرو في دعوة مَن بقي مِن قبيلتهم، وفي قصة إسلام عمرو بن الجموح -رضي الله عنه- ما يظهر لنا أهمية دور الشباب في الدعوة إلى الله -عز وجل-، وكيف أنهم ابتكروا مِن الوسائل الدعوية المشروعة، ما أقاموا به الحجة على توحيد الله، وبطلان عقيدة الشرك وتعظيم الأصنام.

وكذلك الرعيل الأول في مكة؛ جلهم كانوا مِن الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم العشرين، ولم يكن يقارب النبي -صلى الله عليه وسلم- في العمر إلا أبو بكر.

ولذلك... اعلم أيها الشاب: أنك في مرحلة الشباب تعيش مرحلة مِن أخطر مراحل عمرك؛ إما أن تذهب بها إلى أعلى الجنان، وإما أن تذهب بها إلى أسفل السافلين -والعياذ بالله-؛ فإنها مرحلة القوة؛ ولذلك إذا اهتدى الشباب قويت الأمة، ورفع الدِّين، وهابها أعداؤها، وإذا فجر الشباب ضعفت الأمة، وقلَّ الدِّين وطمع فيها أعداؤها.

انظروا إلى مَن بقي مِن المشركين بعد موقعة "بدر"، يعاند الإسلام والمسلمين ويشتد عليهم، ستجدهم مِن الشباب: كخالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، وعمرو بن العاص، وصفوان بن أمية؛ كل هؤلاء كانوا مِن الشباب.

وهذا يظهر لنا: أن الشباب سلاح ذو حدين؛ ولذلك فالحذر الحذر مِن الاقتداء بالشباب الماجنين والغافلين، وليعلم الشاب أن هذه المرحلة سيُسأل عنها مرتين يوم القيامة؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصالٍ: عَنْ عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟ وعَنْ َمالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فِيهِ) (رواه البزار والطبراني، وقال الألباني: صحيح لغيره).

فسيسأل الشاب عن العمر مرة بالعموم، ومرة بالخصوص؛ ولذلك خَير ما يغتنم به الشاب مرحلة الشباب هو الالتزام بدين الله -عز وجل-، والعمل لنشر هذا الدين في الخلق؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ... ) وذكر منهم: (وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه... ) (متفق عليه).

فيا أيها الشباب:

إن كنتم تريدون الفوز بالجنان في ظل عرش الرحمن...

إن كنتم تريدون الفلاح والنجاح...  

فعليكم بنصرة هذا الدين، والدعوة إليه، كما قام الفتية مِن أصحاب الكهف: (إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا) (الكهف:13).

فاللهم اهدِ شباب المسلمين لما تحبه وترضاه.

وللحديث بقية في وقفاتٍ قادمةٍ -إن شاء الله-.