الفساد (63) التربية البدنية والتربية الرياضية

  • 237

ما ينبغي وما لا يجوز (1-3)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فكلمة تربية مأخوذة من (ربا) يربو، بمعنى (نما) ينمو أو يزيد.

ومن معاني التربية: بلوغ الشيء كماله على وجه التدريج، وقد ورد هذا المفهوم للتربية في القرآن الكريم في موضعين، قال -تعالى-: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء:24)، وقال -تعالى-: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) (الشعراء:18).

(والتربية بوجه عام هي: تشكيل اتجاهات الأفراد وفق قيم معينة وإعانتهم على تكوين النظرة السليمة للحياة، وهي تقترن بالتعليم الذي يصقل ملكات هؤلاء الأفراد وينمي مواهبهم واستعداداتهم في شتى المجالات. والتربية الإسلامية معناها: تنمية ملكات الفرد وقدراته على اختلافها من أجل بلوغ الكمال العقلي والنفسي، وتنمية قدرات المجتمع كذلك من أجل تحقيق تطور أفضل، وتقدم اجتماعي أكمل وفق المبادئ والقيم الإسلامية، ولا يجوز في الإسلام أن تقتصر التربية على تلقين الإنسان المعلومات أو اكتساب المهارات الفنية، وإنما تهدف إلى تهذيب الأخلاق؛ سواء في ذلك أخلاق الأفراد أو أخلاق المجتمع، ومن الواضح أن الاقتصار على العلم المادي وحده ينحرف بالفرد والمجتمعات إلى شرور لا نهاية لها، فلا بد إذًا من أن يقترن التعليم بالأخلاق) (راجع: "التربية على منهج أهل السنة والجماعة" د. أحمد فريد ط. الدار السلفية بالإسكندرية ط. الثالثة 1472 هـ - 2006 م، نقلًا عن مجلة الوعي الإسلامي عدد (93) جمادى الأولى 1409 هـ من مقال بعنوان: "قيم هي أساس التربية"، ص 30 - 31 بتصرفٍ).

والمقصود بالتربية البدنية: تنمية وتقوية البدن ليكون صحيحًا عفيًّا قادرًا على الأداء والعمل والجد، بينما المقصود بالتربية الرياضية تحقيق هذه التربية البدنية عن طريق ممارسة لعبة (أو رياضة) سواء كانت هذه اللعبة (أو الرياضة) تؤدَّى بواسطة فرد بمفرده كما في رياضة كمال الأجسام، والجمباز، ورمي الجلة، ونحوها، أو كانت هذه اللعبة (أو الرياضة) تؤدَّى جماعيًّا بواسطة فردين اثنين كما في المصارعة والملاكمة أو التنس، أو تؤدَّى جماعيًّا بواسطة فريق من اللاعبين كما في رياضة كرة القدم أو كرة السلة أو الكرة الطائرة ونحوها.

فالتربية الرياضية صورة من التربية البدنية، وإن شئتَ قلتَ: هي وسيلة لازمة لتحقيق التربية البدنية، ولكنها ليست شرطًا لتحقيقها؛ إذ يمكن تحقيق التربية البدنية بدون ممارسة لعبة رياضية فردية أو جماعية، كما كان الحال في الأزمنة السابقة قبل معرفة تلك الألعاب الرياضية واشتهارها، فـ(مصطلح التربية الرياضية يعني تنمية المهارات الخاصة بالألعاب الرياضية، مثل: كرة السلة، وكرة القدم، والجمباز، وخلافه، أما التربية البدنية فهي تنمية الجسم وجعله متناسقًا ومتناسبًا مع العناية به وتدريب عضلاته، والتخلص من السمنة الزائدة، والحفاظ على مرونة المفاصل والعضلات. وبمعرفة الهدف لكل مصطلح نجد أن وجود أحدهما يتطلب الآخر، فلا يمكن أن تحقق أهداف التربية البدنية إلا بملازمة التربية الرياضية، وكذلك تحقق التربية الرياضية أهداف التربية البدنية؛ ولذلك نجد أن التربية البدنية هي الأساس، وهي ضمن تربية الإنسان في جميع نواحيه) (راجع: "الرياضة والأخلاق"، د. منصور مندور ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - القاهرة - العدد رقم (216) 1434 هـ - 2013 م، ص: 10 – 11).

وكمال التربية البدنية يكون: بالحرص على التغذية السليمة المناسبة، واتباع العادات الصحية الصحيحة وترك العادات الصحية السيئة، والابتعاد عن تناول ما يضر البدن ويؤذيه، وكمال التربية الرياضية بالتمسك بالأخلاق الرياضية الحميدة، والقيم الاجتماعية النبيلة، وتجنب التعصب والابتعاد عن الأخلاق والممارسات المذمومة.

وعلى عادتنا في عرض ما نتطرق إليه في ملفاتنا، سنتناول أولًا: ما ينبغي أن تكون عليه التربية البدنية والرياضية، ثم نعرِّج إلى ما في واقعنا المعاصر من سلبياتٍ ظاهرةٍ في مجال الرياضة، هي صور من الفساد التي يوقع الخلل في المجتمع، ويأخذه بعيدًا عما يجب أن يكون عليه.

أهمية التربية البدنية:

التربية البدنية مهمة في حياة الإنسان كالتربية العقائدية، والتربية الإيمانية، والتربية الفكرية، وللتربية البدنية أهميتها في قدرة الإنسان على القيام بأعباء الحياة ومتطلباتها والعمل الجاد فيها، فقدرة العقل والبدن على العمل بكفاءة متعلقة بصحته وعافيته، فحياتنا الدنيوية أشبه بطريق والبدن هو المركبة التي نسير بها عليه، وقطع هذا الطريق متوقف على سرعة هذه المركبة، وهذه السرعة متوقفة على قوة وسلامة هذه المركبة، فإن ضعفت هذه المركبة على السير لعدم الاهتمام بها وصيانتها عجز الإنسان على قطع الطريق المطلوب منه قطعه في حياته الدنيوية، فصارت (العين بصيرة واليد قصيرة) -كما يقولون-.

قال الدكتور بدير محمد بدير: (وتهدف الرياضة إلى تنمية اللياقة البدنية والنمو الجسمي للشباب بما يكسبهم درجة عالية من التحمل لمشاق العمل ومقاومة الإجهاد والتعب، وكذلك استثمار أوقات الفراغ فيما يوظف طاقات الشباب ويعمق في نفوسهم معاني الشجاعة والإقدام، فيكونوا قادرين على حماية مجتمعهم من الفساد والتحلل، ووطنهم من الغزو بأنواعه، ويقاس على ذلك أنواع الرياضة المستخدمة التي تربي أجسام الشباب وتزيدها قوة ومتانة على هدي أوامر الإسلام، في أوقات الرياضة، وتعلم أنواع الرمي المختلفة واستخدام أنواع الأسلحة المتعددة، وقيادة الطائرات، والسفن الحربية، وكل ما يتعلق بالإعداد الجسمي والنفسي والميداني للشباب) (منهج السنة النبوية في تربية الإنسان، توزيع مكتبة الدعوة الإسلامية بالمنصورة، ص 10).

ويضيف: (إن الإسلام في حاجة إلى كيان سليم قوي فياض متحرك، متمكن من الحياة، إن رسالته هي رسالة القوة في الحق، القوة في البناء والتعمير، القوة في حمل الأمانة، القوة في القيام بمقتضياتها، القوة في الجهاد في سبيلها، والمسلم المجاهد من أزهد الناس في متاع الدنيا وزينتها، إنما هي زهادة القوة لا زهادة اللامبالاة) (انظر: التربية على منهج أهل السنة والجماعة، ص 216 - 217).

وتشير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الكثيرة التي تحث على تقوية البدن وإعداده إلى أهمية التربية البدنية للفرد والأمة، قال الله -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 60).

وفي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية ثم قال: (أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ)؛ تأكيدًا لأهمية الرمي في الإعداد، والدفع والردع لأعداء الله وأعداء المسلمين، وهو ما تؤكده استعدادات الجيوش في العصر الحديث من صور الرمي الكثيرة والمتعددة برًّا وجوًّا وبحرًا مِن صواريخ ومدافع، وطائرات قاذفة، ودبابات وبوارج، ومدمرات وغواصات إلى جانب البنادق والرشاشات.

وفي صحيح مسلم وعند ابن ماجه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ)، (والمراد بالقوة هنا كما قال الإمام النووي: عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأسرع خروجًا إليه وذهابًا في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله -تعالى-، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار، وسائر العبادات، وأنشط طلبًا لها، ومحافظة عليها، ونحو ذلك.

وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ) فمعناه: في كلٍّ مِن القوي والضعيف خير؛ لاشتراكهما في الإيمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات) (صحيح مسلم بشرح النووي - كتاب البر والصلة والآداب - باب في الأمر بالقوة وترك العجز).

وهذا ما يتطلبه الإسلام كما يقول الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-: (يتطلب أجسامًا تجري في عروقها دماء العافية، ويمتلئ أصحابها فتوة ونشاطًا، فإن الأجسام المهزومة لا تطيق عبًئا، والأيدي المرتعشة لا تقدم خيرًا، وللجسم الصحيح أثر لا في سلامة التفكير وحسب، بل في تفاؤل الإنسان مع الحياة والناس، ورسالة الإسلام أوسع في أهدافها وأصلب في كيانها من أن تحيا في أمة مرهقة موبوءة عاجزة) (خلق المسلم للشيخ محمد الغزالي - ط. دار الرحمة - القاهرة: ص 142، راجع (الرياضة والأخلاق، ص 4).

وقال الأستاذ عبد الله ناصح علوان: (ومما لا يختلف فيه اثنان أن أعداء الإسلام حين يعلمون أن أمة الإسلام استعدت عسكريًّا وحربيًّا، وتكونت صحيًّا وجسميًّا، واكتملت إيمانيًّا ونفسيًّا، وعزمت على الجهاد حركيًّا وإراديًّا؛ فإنهم لا شك منهزمون من نفوسهم القلقة الخائفة الخوارة قبل أن ينهزموا في ميادين المنازلة والجهاد، وهذا ما يعرف اليوم بالسلم المسلح، وهذا ما نوه إليه -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ) (متفق عليه) (انظر: التربية على منهج أهل السنة والجماعة، ص 220 - 221).

وفي بيان مشروعية التربية البدنية في الإسلام والحث عليها: روى البخاري وأحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرَّ على نفر من أسلم يتدربون على الرمي فقال: (ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ) فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟)، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ).

وفي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابق بالخيل التي أضمرت من الحيفاء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وكان ابن عمر فيمن سابق.

وروى البخاري عن أنس -رضي الله عنه- أنه كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- ناقة تسمى العضباء، وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قاعود (ناقة فتية) له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سُبقت العضباء، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ).

وفي صحيح مسلم: أن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- سابق أحد الصحابة على مرأى من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففي أحد أسفار النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل رجل من الأنصار كان لا يسبق شدا -يعني عدوًا على الرجلين- يقول: أَلَا مُسَابِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ؟ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ فقال سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي وَأُمِّي، ذَرْنِي فَلِأُسَابِقَ الرَّجُلَ، قَالَ: (إِنْ شِئْتَ) (راجع صحيح مسلم بشرح النووي كتاب الجهاد والسير، باب: غزوة ذي قرد وغيرها).

وقد أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- للحبشة أن يلعبوا بالحراب في مسجده، وقد صارع النبي -صلى الله عليه وسلم- ركانة فصرعه ثلاث مرات، وروى أبو داود وصححه الألباني في صحيح السنن (2248) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سَابَقَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَبَقْتُهُ، فَلَبِثْنَا حَتَّى إِذَا أَرْهَقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذِهِ بِتِلْكَ).

ومشهور عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن قال: "علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل".

قال الأستاذ عبد الله ناصح علوان: (فمن هذه النصوص يتبين أن الإسلام شرع ممارسة الألعاب الرياضية والتدريبات الجهادية من مصارعةٍ وعَدْوٍ، ورمايةٍ وفروسيةٍ مِن أجل أن تأخذ أمة الإسلام بأسباب العزة والنصر والسيادة، وأن تتربى أفرادًا وجماعات على معاني القوة والفتوة والجهاد؛ تنفيذًا لقوله -تبارك وتعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال: 60) (تربية الأولاد في الإسلام، ج 2 /889).

قوة النبي -صلى الله عليه وسلم- البدنية:

لا شك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أكمل الخلق في كل شيء، وهو في أموره كلها قدوة يحتذى بها، قال -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21).

ولقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في الأربعين من عمره، ودعا قومه سرًّا في مكة ثلاث سنوات ثم جهر بدعوته في مكة بعدها عشر سنوات قبل الهجرة، وهاجر إلى المدينة وهو في الخمسينيات فقاد المجتمع الإسلامي فيها، وشارك بنفسه في الغزوات، بل قاد جيش المسلمين إلى تبوك على شدة بعدها عن المدينة، وهو في أواخر عمره -صلى الله عليه وسلم-، فكان في حياته وأحواله كلها مثالًا للقوة والتحمل.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا الأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا، وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ" (سنن الترمذي المجلد الخامس، أبواب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث رقم: 3728).

وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- في وصفه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا مشى تكفأ (أي: تمايل إلى قدام) تكفيًا كأنما ينحط من صبب (يريد أنه كان يمشي مشيًا قويًّا، ويرفع رجليه من الأرض رفعًا بائنًا لا كمن يمشي اختيالًا، ويقارب خطاه تنعمًا) (وروي في صفته -صلى الله عليه وسلم- أن كان إذا زال زال تقلعًا (رفع الرجل بقوة) ويخطو تكفؤا (الميل إلى سنن المشي وقصده)، ويمشي هونًا (الرفق والوقار)، ذريعة المشي (الواسع الخطا) إذا مشى كأنما ينحط من صبب... وقال الطيبي: (ذريع المشية) أي: يرفع القدم من الأرض ثم يضعها، ولا يمسح قدمه على الأرض كمشي المتبختر، (كأنما ينحط من صبب) أي: يرفع رجله عن قوة وجلادة، والأشبه أن تكفأ بمعنى صب الشيء دفعة. (عون المعبود شرح سنن أبي داود للآبادي - كتاب الطهارة - باب الاستنثار الحديث رقم 44) (راجع المصدر السابق، ص 94- 98).

وفي السيرة النبوية: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توجَّه من مكة إلى الطائف التي تبعد عن مكة نحو خمسين ميلًا سيرًا على الأقدام ذهابًا وإيابًا ليدعوهم إلى الإسلام.

وقد شارك -صلى الله عليه وسلم- في حفر الخندق في غزوة الخندق، ولما عرضت للصحابة صخرة صلبة لم يستطيعوا كسرها وشقت عليهم، قام إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- فضربها بالمعول فكسرها.

ارتباط الرياضة بالأخلاق:

تسمو الرياضة وتعلو عندما ترتبط ممارسة الرياضة بالأخلاق الحسنة، فيروض الرياضي نفسه ويقومها بحسن الخلق. والأخلاق: (مجموعة القيم والضوابط السلوكية التي تحكم مشاعر الفرد وعمله وتوجهاته في الحياة، وهي المعايير التي تجعل عمله عملًا صالحًا أو عملًا طالحًا، وتنشأ هذه الأخلاق بالطبع من معتقدات الإنسان وتوجهاته الفكرية والدينية) (الرياضة والأخلاق، ص 18). (وحقيقة الخلق في اللغة: أن ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب يسمى خلقًا؛ لأنه يصير كالخلقة فيه)، (فالأخلاق إذًا هي عمل يعمل لا كلام يقال، عمل مبعثه القلب لا كلام مكانه اللسان) (الرياضة والأخلاق، ص 44- 45).

قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

صلاح أمرك للأخلاق مرجعـه           فـقوم النفس بالأخلاق تستقم

قال د. منصور مندور: (الرياضة البدنية في عرف الإسلام لا تؤتي ثمارها المرجوة إلا إذا صحبتها رياضة روحية وتربية أخلاقية، وإذا كانت الرياضة في الإسلام وسيلة من وسائل اللهو المباح، فإن المسلم لا ينسى ولا يتناسى ثوابت دينه وقيمه وأخلاقه التي تربَّى عليها، وتعلمها من علمائه وشيوخه في المسجد وفي المدرسة، ومن الأسرة، فالمسلم ينبذ العنف والتعصب الممقوت، فلا تدفعه فرحة الانتصار إلى الخروج عن حدود الأدب واللياقة، كما أن الهزيمة لا تجعله يسخط على قدر الله -عز وجل-، أو أن يتلفظ بألفاظ لا تليق به كمسلم، فالقدر قد يخبئ للإنسان ما يسره، وقد تكون الجولات المستقبلة في غير صالح الفائز الآن، وليس من طبيعة المسلم أن يشمت بالآخرين، كما لا يحب أن يشمت به أحد، فيجب عليه أن يحب للناس ما يحبه لنفسه، ويجب أن يكره لهم ما يكرهه لنفسه، ولا شك أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين خصائص الإنسان الجسمية، وبين أخلاقه وسلوكه وسماته النفسية).

ويضيف: (وفي الآونة الأخيرة: اتسعت رقعة الاهتمام العالمي بالرياضة في شتى الميادين، وبات من الضروري الحديث عن أهمية (القيم الأخلاقية في التربية الرياضية)؛ إذ إن الرياضة لم تعد مجرد ترفيه ولياقة بدنية، واستعراض عضلات وشهرة بين الناس، بل إن هناك أبعادًا أخرى يجب ألا تغيب عن أذهاننا أثناء ممارسة الألعاب المختلفة، فقد رأينا كثيرًا عن الرياضيين البارزين فقدوا عرشهم الرياضي، وخسروا رصيدهم المحفوظ في قلوب محبيهم؛ لسوء سلوكهم، وضياع أخلاقهم؛ وذلك لأنهم اعتبروا أن المهارة البدنية والموهبة الرياضية وحدهما كافيان للنجاح في الرياضة، وكأن اللياقة البدنية يمكن أن تكون بمعزلٍ عن اللياقة الروحية والأخلاقية، متناسين أن الثمرة المرجوة من ممارسة الرياضية البدنية هي الترابط الاجتماعي والأخلاقي) (الرياضة والأخلاق، ص 73 - 74).

(ومن الأخلاق المذمومة عند الخصومة والمنافسة استخدام الألفاظ النابية أو العبارات الجارحة)، و(المسلم لا يرضى أن يمارس الرياضة بشكلٍ يؤذي الآخرين أو أن يسبب لهم قلقًا، كلعب الكرة في الأماكن الخاصة بالمرور أو حاجات الناس وأسواقهم، أو في أوقاتٍ ينبغي أن توفر فيها الراحة للمحتاجين إليها، والإسلام نهى عن الضرر والضرار، كما يأبى المسلم أن يزاول ألعابًا لا تتفق مع دينه وأخلاقه بسبب ما يترتب عليها من انكشاف للعورة أو ارتكاب لمحرم، أو فعل شيء لا يليق به، ولا يتناسب مع تكوينه ومهمته ورسالته في الحياة، كما ينبغي للمسلم أن يفهم فقه الأولويات حرصًا على أن يقدِّم الأهم على المهم، والأحسن على الحسن، ومِن ثَمَّ يدرك جيدًا أن ممارسة الرياضة لا تلهيه عن الأعمال الجسام الملقاة على عاتقه، ولا تكون سببًا في قطيعة الرحم أو إفساد العلاقات مع الآخرين) (راجع المصدر السابق، ص 76 - 77).