الفساد (66) سلبيات ممارسة كرة القدم وتشجيع فرقها (1-4)

  • 320

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمما لا شك فيه أن ممارسة كرة القدم للترويح أو لاكتساب اللياقة البدنية، وتنشيط البدن، أمر مشروع، بل مندوب إليه؛ يستوي في ذلك ممارسة لعبة كرة القدم خاصة، أو غيرها من الألعاب الرياضية عامة؛ إذ إنها وسائل رياضية لتحقيق التربية البدنية التي هي أحد مكونات الشخصية القوية، ولكننا نخصص الكلام عن لعبة كرة القدم؛ لأنها اللعبة الشعبية الأولى سواء في مصر أو خارجها، فكل دول العالم شرقًا وغربًا صارت مفتونة بكرة القدم، متابعة أو ممارسة.

وبرغم أهمية لعبة كرة القدم لشعبيتها -فقد شابها الكثير من السلبيات-، بل وصور مِن الفساد حتى صارت سلبياتها أحيانًا وبالًا على ممارسيها ومشجعيها، وإثمها أكبر بكثيرٍ مِن نفعها؛ إذ صارت مصدرًا لمخالفة الأحكام الشرعية، وسببًا لتضييع الأخلاق والآداب الإسلامية، ومدخلًا لكثيرٍ مِن الشرور باسم التربية الرياضية، والتربية الرياضية منها براء.

وآفة تلك السلبيات والمفاسد جاءت من الأخذ بنهج الغرب في هذه الألعاب الرياضية، حيث حوَّل الغرب بفكره المادي الدنيوي الألعاب الرياضية إلى وسائل للكسب وللاحتراف، وجعلها صناعة رائجة تديرها اتحادات عالمية وهيئات تدر المليارات على المنظمين لها، والمنتفعين منها، وهي مليارات تأخذ من جيوب الشعوب؛ خاصة الشباب، يقدِّمونها عن رضا وطواعية وهم لا يعرفون عن الرياضة إلا مشاهدة ومتابعة المباريات والمسابقات، ومعرفة أخبارها ليل نهار، وأولًا بأولٍ في الملاعب أو أمام الشاشات، مضحين من أجل متعة المشاهدة وإثارة المنافسة بالأموال والأوقات والأعمار!

والعجيب في الأمر: أن الغرب وإن تسبب في جعل الألعاب الرياضية صناعة تدر المليارات ويكتسب منها؛ إلا أن الشعوب الغربية لا تهمل الممارسة للرياضة البدنية الشخصية، والعناية بالصحة العامة، والتغذية السليمة، وتجنب العادات الصحية الضارة، بعكس شعوبنا التي لا يمارس أغلبها من الرياضة الشخصية شيئًا، وتفتقد العناية بالصحة العامة والتغذية السليمة، وتتبنى الكثير مِن العادات السيئة الضارة.

والكلام عن لعبة كرة القدم يحتاج إلى الموضوعية والتجرد، وتحكيم الشرع ثم العقل، وترك التأثر بالواقع وما عليه عموم الناس وسياسات الدول؛ إذ إن حكم ممارسة لعبة القدم وكونها حرامًا أو حلالًا صار يختلف بحسب ما يقع فيه ممارس كرة القدم ومشاهدها ومشجعها من مخالفات للشرع، وما يتسبب فيه من سلبياتٍ ومفاسدَ؛ لذا يتدرج حكم ممارسة كرة القدم من الإباحة -بل والندب- إلى الكراهة أو التحريم، بل التحول إلى ارتكاب لكبيرةٍ من كبائر المعاصي من خلال ربط تلك الممارسات الرياضية بالمراهنات والمقامرة، والتلاعب بالنتائج، وقبول الرشاوى، وهو ما فاحت رائحته وأزكمت الأنوف، حيث امتلأت الصحف وتداولت الأخبار في الآونة الأخيرة الكثير من مفاسد اتحاداتها المتحكمة في تلك اللعبة على مستوى العالم، فإذا كان هذا هو حال رؤسائها فكيف حال المرؤوسين؟!

فإذا كان رب الدار بالدف ضارب                    فـشـيـمـة أهـــل الــدار الـرقــص

ولا شك أن الأصل في ممارسة كرة القدم ومشاهدتها أنها مشروعة ومباحة، فهي وسيلة لتنشيط البدن وتقويته، والترويح عن النفس والخروج من أعبائها ومتاعبها، وممارسة الرياضة على المستوى الفردي والجماعي عرفته البشرية عبر تاريخها الطويل؛ بالطبع بعيدًا عن مفهوم الرياضة عند الغرب حاليًا كصناعةٍ ووسيلةٍ للاحتراف والكسب، فكان منها قديمًا الجري والتسابق فيه، وركوب الخيل والتسابق فيه، والرمي بأنواعه والتسابق فيه، والمصارعة والتحطيب، إلخ، ولكن هذه المشروعية وتلك الإباحة سرعان ما تفقد شيئًا فشيئًا كلما وقع الممارس لها في مخالفات شرعية أو سلبيات وهي كثيرة، وهو ما سنشير إلى البعض منها ونذكِّر به وننبه عليه، ليكون من يمارس تلك اللعبة الرياضية على بينةٍ بحكم الشرع في ممارسته لها إن أصر على البقاء على هذه المخالفة أو تلك السلبية ولم يتراجع عنها. نسأل الله -تعالى- لنا ولكل المسلمين السلامة والعافية.

إضاعة الأوقات والأعمار:

الغرب يعرف جيدًا قيمة الوقت والاستفادة منه، ويمتاز بالجدية والمثابرة في العمل، ويعيش في مستوى من المعيشة أعلى من غيره من الشعوب؛ لذا فعنده فائض في الوقت والمال يستخدمه في الترفيه والترويح خاصة في أوقات العطلات الأسبوعية والسنوية.

ومِن دأب الغربيين: المبالغة في الترفيه والترويح في أوقات الراحة والعطلات؛ إذ لا يتقيدون في ذلك بقيودٍ مِن شرعٍ أو دينٍ إلا ما تمليه عليهم قوانين وأعراف البلاد، والفرد في الحضارة الغربية المعاصرة لا يستطيع أن يجعل وقت لعبه وترفيهه يطغى على وقت عمله وإنتاجه؛ وإلا فلن يقبل أحدٌ أن يجعله عالة عليه ويقوم بشأنه، فلا بد أن يعمل ويكد ليأكل ويعيش، فإن كان هناك وقت متاح ومقدرة مالية على الترويح والترفيه فبها ونعمت وإلا فلا؛ فلا يغرنك ما تراه في الغرب من صور الإسراف والمبالغة في الترفيه ليومٍ في الأسبوع أو ساعة أو ساعتين في يوم أو شهر إجازة في العام، فوراء ذلك عمل جاد وتفانٍ فيه؛ شاء الفرد منهم أم أبى.

وعلى نقيض ذلك حالنا: فالوقت يهدر، والبطالة مرتفعة، والشباب عاطل، والعمل مستثقل، والإنتاج ضعيف؛ وبالتالي: فمستوى المعيشة متدنٍ، والحاجة ماسة للانتفاع بالوقت والإكثار من الإنتاج، ورغم عظم نسبة الشباب فالكثير منهم عالة على عائلاتهم! وأمة هذا حالها ينبغي ألا تضيع أوقاتها، ويجب أن ينصب اهتمامها على الإكثار من العمل والإنتاج، وتكون ممارسة الرياضة هنا ممارسة يشارك فيها الجميع؛ ليقوي بدنه ويزداد قدرة على العمل والإنتاج.

إن الأصل في استغلال الوقت أن يكون كل الوقت للعمل المنتج المثمر، وتكون الرياضة والترفيه في جزءٍ مِن الوقت؛ لتجديد الطاقة والنشاط، وتقوية البدن.

نعم للعب دوره الكبير في حياة الطفل؛ إذ مِن خلاله يتعلم الكثير، ويتعرف على إمكانياته البدنية، ويعتاد على التعامل مع الآخرين ومشاركتهم، وكلما كبر الطفل كُلف بأعمال خارج نطاق اللعب في رياض الأطفال، وفي المدرسة، ومع الوقت تزداد المهام وتقلل مساحة اللعب، فإذا بلغ الشاب أشده واستوى أصبح همه العمل والإنتاج، وصارت مساحة الترفيه واللعب عنده أقل ما تكون.

إذا استوعبنا ذلك ونظرنا إلى أحوال شبابنا في ممارسة ومتابعة ومشاهدة كرة القدم، وجدنا أن مساحة ذلك في حياتهم أكبر بكثيرٍ مما ينبغي؛ فاللعب بالكرة بالساعات الطوال إضاعة للأوقات، والتفرغ بالساعات لمشاهدة المباريات عبر الشاشات إضاعة للأوقات، والتنقل بين الملاعب والبلاد خلف الفرق الرياضية إنفاق للأعمار فيما لا طائل مجدٍ وراءه.

إن وقت لعب وراحة المسلم الجاد -والإنسان الصالح- يكون بقدر الحاجة إليه، ولا يصحبه ما فيه مخالفة للشرع، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ) (رواه البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

كشف العورات:

الحضارة الغربية الحديثة تستمد جذورها مِن الحضارة اليونانية القديمة القائمة على تعظيم القوة، وهناك الكثير من التماثيل اليونانية القديمة العارية تبرز هذه القوة التي كانوا عليها، فهي حضارة لا ترى في العري والتعري شيئًا مذمومًا!

والغرب اليوم لا يرى في العري والتعري عيبًا، وقد انعكس ذلك على أنشطتهم الرياضية، ولعل لعبة كرق القدم أقلها عريًا؛ إذ يبرز الرجال فيها جزءًا كبيرًا من الأفخاذ، وكذلك مَن يمارسن كرة القدم من النساء (كرة القدم النسائية)، وهذا الكشف لأفخاذ النساء باسم الرياضة أشنع، وهذا موجود ويراه الناس من الجنسين بلا ممانعة أو نكير! بل قد تبرز أجزاء أكثر من العورة، وتكبر ويركز عليها من خلال آلات التصوير في الملاعب حين يسقط اللاعب على الأرض لإصابة، فتتسابق آلات التصوير في التركيز على الجزء المصاب من بدنه -وقد يكون مكان عورته- حتى يقوم من إصابته، وإذا لم تستحِ فافعل ما شئت؛ لاعبًا كنت أو مصورًا، أو مشاهدًا؛ رجلًا كنت أو امرأة، وفي الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه-: (لَا تَكْشِفْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ، وَلَا مَيِّتٍ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

قال النووي -رحمه الله-: (ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الفخذ عورة استنادا إلى حديث علي)، وقال -رحمه الله-: (ففيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا لا خلاف فيه، وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة، والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع) (شرح النووي على مسلم).

وفي الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا جُرْهُدُ، غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّ الْفَخْذَ عَوْرَةٌ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

وأسوأ من ذلك: كشف الرجال والنساء لأكثر من ذلك في ألعاب السباحة والمصارعة والملاكمة والجودو والجمباز وغيره، وهو في حق الفتيات والنساء أشنع، وأقبح من ذلك: تعري لاعبي كمال الأجسام لإبراز عضلات البدن كله فلا يستر من البدن إلا العورة المغلظة!

وهكذا لم يبقَ هناك فارق بيننا وبين الغرب في العري والتعري باسم الرياضة، وكأنه لا رياضة بلا عري وتعري! وصارت فتياتنا عاريات كاشفات للعورات جهارًا نهارًا، متنقلات بين الملاعب والبلاد أمام أعين الناظرين بلا أدنى خجل أو حياء باسم السباحة والجودو، والجمباز، والباليه، وكرة القدم، وهذا ليس من التربية في شيء؛ إذ لا يصح أن يُربَّى عليه الناس.

فائدة: جاء في جريدة الأهرام في عدد الجمعة 31 أغسطس 2018 م ص 21 تحت عنوان: (مصر تطلب مشاركة لاعباتها بالحجاب في بطولة العالم الشاطئية الصيف المقبل): (انتهى ممدوح حسني عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للكرة الطائرة من إعداد الملف الذي سيتقدم به إلى الاتحاد الدولي للعبة في الاجتماع المقرر عقده بمقر الاتحاد في سويسرا يوم 18 سبتمبر، الذي يتضمن جميع المعلومات المطلوبة للموافقة النهائية الرسمية على تنظيم مصر لبطولة العالم الشاطئية للجنسين في صيف العام المقبل بالساحل الشمالي).

وجاء في ثنايا الخبر بنفس الصفحة: (ويتمسك ممدوح حسني بطلب مهم ربما يؤثِّر بشكلٍ أو بآخر على موافقة الاتحاد الدولي على إقامة البطولة في مصر، حيث يصر على أن مصر دولة إسلامية، وأن فريقها لا يمكن أبدًا أن تشارك لاعباته بملابس البحر غير المحتشمة، وعلى هذا يلتمس الاتحاد المصري للكرة الطائرة السماح للاعبات المسلمات المحجبات من جميع الدول الإسلامية بضرورة السماح لهن باللعب بالحجاب).

ويقول الكاتب (علي بركة) كاتب الخبر: (علمت أن الدكتور عمرو علواني رئيس الاتحاد الإفريقي ونائب أول رئيس الاتحاد الدولي يدعم هذا الاتجاه، وأنه أقنع عددًا كبيرًا من مسئولي لجنة الشواطئ بالاتحاد الدولي، وأنه لا توجد مشكلة على الإطلاق في هذا الأمر).

وهذا أمر مشكور، ولكن:

- ماذا عن اختلاط اللاعبات المحجبات المسلمات بالرجال من المدربين والإداريين وغيرهم؟!

- وماذا عن تطلع عيون المشاهدين عليهن من الرجال؟!

- وماذا عن سفرهن إلى خارج البلاد بلا محارم؟!

وكلها مخالفات صريحة لآداب الإسلام وأحكامه؛ فهل نضحي بها كلها من أجل ممارسة هذه الرياضة على الطريقة الغربية، ومِن أجل نيل موافقة الاتحادات الدولية على مشاركتنا في منافساتهم العالمية؟!

ترك الصلوات والجمع والجماعات:

كانت المباريات الكروية فيما سبق تُقام عصر أيام الجمع وغيرها، فكان يصحبها التفريط في أداء صلاة العصر مِن كثيرٍ مِن اللاعبين والمشاهدين حتى يخرج وقتها، ولزيادة عدد المشاهدين والمتابعين أصبحت المباريات تقام في أوقاتٍ مختلفةٍ بدءًا مِن وقت العصر إلى العاشرة -أو بعدها- مساءً؛ مما يترتب عليه وقوع الكثيرين من اللاعبين في ترك الصلوات الواجبة في وقتها؛ خاصة المغرب والعشاء، وترك الممارس للعب أو المتابع له لصلاةٍ واحدةٍ مفروضةٍ بغير عذر شرعي هو مِن الكبائر المحرمة، وهذا شائع بين اللاعبين والمشاهدين ويتكرر كثيرًا.

ومثله في الإثم: تفريط بعض اللاعبين في صيام أيام من شهر رمضان؛ للمشاركة في مباريات أو مسابقات في نهار رمضان، وأقبح من ذلك: إجبار المدربين أو الإداريين للاعبين على ذلك.

قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء:103).

إضاعة الأموال الطائلة:

وصور إضاعة الأموال في الإنفاق على كرة القدم والإسراف في ذلك متعددة كثيرة من المشاهدين والمهووسين باللعبة، إلى جانب الباحثين عن الشهرة والحظوة من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ والأموال وغيرهم، بل ومن المؤسسات والحكومات، فالكل ينفق على اللعبة وعلى لاعبيها الأموال بسخاء، وكأنهم لن يُحاسبوا يوم القيامة عليها، قال -تعالى- في ذمِّ مَن كان هذا حاله: (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ . وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ . وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ . لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ . أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ . يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا . أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) (البلد:1-7).

وقد صار هذا الإسراف معروفًا للداني والقاصي بلا نكيرٍ، بل تشارك في تمويله الحكومات والمؤسسات والاتحادات، فتخصيص الميزانيات الكبيرة التي تقدم باسم الرياضة ثم توجه إلى طائفة محدودة هم طائفة اللاعبين في الفرق بينما أكثر الشعب لا يمارس الرياضة وليس له إليها سبيل.

ومِن مظاهر الإسراف والتبذير جلب المدربين واللاعبين الأجانب، بل والحكام الأجانب ومنحهم المرتبات والأجور الكبيرة بملايين الدولارات في بلدٍ يتضور الكثير من أبنائه جوعًا وفقرًا.

التجرؤ على المحرمات القولية:

المنافسة في الألعاب والمسابقات الرياضية عامة وفي لعبة كرة القدم خاصة قوية تصل إلى حد العنف أحيانًا؛ يستوي في ذلك حال الكثير مِن ممارسيها ولاعبيها والمشاهدين لهم، وتبلغ قمة الإثارة عند احتدام المنافسة أو قرب نهايتها.

وكثير من الناس "خاصة الشباب المتحمس، والمشاهد المتعصب" يقع في التفوه بما لا يليق خُلُقًا ويحرم شرعًا، ومنها ما يكون من الكبائر المهلكات، فمِن ذلك: السب والشتم بأقذع أنواع السباب والشتم، ومنها: سب الوالدين، ومنها: ما يعد مِن قذف المحصنات الذي هو في الشرع من الكبائر، ومنها: الغيبة، وهي ذكر الغير بما يكره سماعه، وأحاديث الناس ووسائل الإعلام الرياضية: المرئية والمكتوبة والمسموعة قبل وبعد المباريات مليئة بالغيبة، فهي منتشرة في الأوساط الرياضية وكأنه لا حساب عليها يوم القيامة؛ فهذا اللاعب مغرور، وهذا اللاعب ثقيل على نفس الجمهور؛ ناهيك عن الألفاظ الجارحة الساقطة التي يتناقلها المشجعون ببساطة، وكأنها من أساسيات التشجيع ولوازمه التي لا يُستغنى عنها.

أضف إلى ذلك: السخرية والاستهزاء من الآخرين، والانتقاص منهم والتنابز بالألقاب، إلى جانب سوء الظن بالآخرين، وكَيل التهم لهم، وهي أمور تورث العداء والشحناء، وتولِّد البغضاء والكراهية، وهذا مشاهد معلوم تراه في عداء مشجعي الفرق الرياضية لبعضهم البعض، وهو عداء تتوارثه أجيال المشجعين جيلًا بعد جيل، ولا تتراجع عنه؛ هذا إلى جانب الهمز واللمز، والعجب بالنفس، وازدراء الآخرين، والتعصب الأعمى للفرق واللاعبين، وفوق ذلك الخيلاء والتبختر والزهو؛ لإغاظة المنافسين حال إحراز هدف أو تحقيق بطولة، وما يصحب ذلك من المبالغة في الإطراء والمدح والحفاوة، ووصف اللاعبين بكونهم أبطالًا ونجومًا، وكأنهم حرروا الأراضي السليبة، وانتشلوا الأمة من رقادها وتخلفها؛ فهذه كلها وما شابهها مِن الأمور المحرمة، بل من الكبائر.

قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:12)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11)، وقال -تعالى-: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا . كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) (الإسراء:37-38)، ومن المرح: التبختر.

وفي الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟) قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ) قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ) (متفق عليه).

وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى أبا دجانة -رضي الله عنه- يمشي متبخترًا بين الصفوف في الحرب ذكر أن هذه مشية يبغضها الله -تعالى- إلا في مثل هذا الموطن، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ، إِذْ خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) (متفق عليه). ويتجلجل: يغوص وينزل فيها.

إن مَن يعلم مِن نفسه أنه لا يتحكم في أقواله وأفعاله عند الغضب أو الانفعال؛ فليس له أن يمارس هذه الألعاب الجماعية أو يشاهدها، وإن مارسها أو شاهدها فبلغ به الانفعال ما يوقعه فيما يحرم عليه فلينسحب من هذه الممارسة أو المشاهدة، وهذا منه امتثال لآداب الإسلام وأحكامه؛ لئلا يخسر دنياه وآخرته.

قال الله -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق:18)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة:8)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيصْمُتْ) (متفق عليه)، وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: (مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ) (متفق عليه)، ومعنى (يَتَبَيَّنُ): يفكر أنها خير أم لا؟ وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

قال النووي -رحمه الله- في رياض الصالحين في الباب الرابع والخمسين بعد المائتين في تحريم الغيبة، والأمر بحفظ اللسان: (اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه مِن جميع الكلام؛ إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرامٍ أو مكروهٍ، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء).