الداعية إلى الله... وقفات تربوية (2)

  • 167

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالداعية إلى الله: قلبه يتزود مِن معين التوكل واليقين، فيورثه شجاعة في أداء دعوته لا يلتفت لدنيا فانية أو شهوات حقيرة، يرمي بالتمرات ويقول: "لئن أنا حييت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة"، فارس مغوار يحمل روحه على كفه لا يخاف في الله لومة لائم، يستلذ بالأمر بالمعروف، ويصدع بالحق ولو كان مرًّا بحكمة وصبر، وعلم وحلم ورفق، يسبح ضد التيار لا يعبأ بوحشته وانفراده وغربته؛ لأن فرسه الأصيل وسيفه هو الصدق سيف الله في الأرض ما وضع على شيء إلا قطعه.

يقتحم العقبات ويضحك في وجه المخاطر، ولا ييأس في وطيس المعركة، ولا تزيده المحن إلا إصرارًا وبطولة وفروسية في محراب العبودية بينه وبين الله، وبينه وبين الناس صلاحًا وإصلاحًا، همه أمته في المشارق والمغارب، دعوته عالمية لا تعرف الحدود ولا الحواجز، (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (الأعراف:170).

الداعية إلى الله: ينفق دائمًا من الربح ولا ينفق من رأس المال؛ بمعنى أن يكون له زادٌ علمي يتزود منه بلا توقف في المواد العلمية الخادمة والمخدومة، وزادٌ ثقافي في كل جوانب الثقافة التراثية الأصيلة والعصرية، ولا بد له من الاطلاع المستمر على كل ثقافات العالم، وفهم لغة الأقوام المختلفة مع تطوير وسائل دعوته في الأسلوب والأداء واللغة؛ لا يتقوقع ولا ينغلق، بل يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بشهوة المعرفة، والشغف بالعلم والقراءة والتثقف، ونهم التساؤل والرقي مع جودة قريحة وحدة ذهن وقوة نفس ورهافة حس وشعور، تجعل الاستيعاب عميقًا يصب ذلك في نور حكمته وبصيرته فيغدو شمسًا وقادة تضيء للعالمين الطريق، وتخترق الحواجز، ويمشي بالنور في الناس تأثيرًا وتربية.

لا يكون الداعية دنيء الهمة ينظر تحت قدميه، بل يعد نفسه للعالمية والأممية بالشهادات والدراسات الأكاديمية مع التعمق في البحث والفهم ليدل الناس على الله مِن كل زاوية وبقعة مهما كانت بعيدة وفي أقصى مدن الأرض.

الداعية إلى الله: يضبط منطلقاته المنهجية الفكرية فينطلق من القرآن والسُّنة بفهم سلف الأمة، ويحرر مذهب السلف في كل مسألة من مسائل الإيمان والاعتقاد، والعبادات والمعاملات، والدعوة والتغيير، ويحرر مذهبهم في التعامل مع الحكام والمحكومين، والتعامل وقت الفتن والاختلاف وفهمهم لمقاصد الشريعة وكلياتها، وتناولهم ومعالجتهم للنصوص وتطبيقها وتدريسها، وحتى طريقتهم في الوعظ وترقيق القلوب، وتهذيب الأخلاق والتدبر والتفكر والسلوك.

الداعية إلى الله: يضبط القضايا الكلية من التوحيد والولاء والبراء، وحقيقة الانتماء للإسلام، والموالاة والمعاداة عليه، ومسائل الإيمان والكفر، ومسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، والسياسة الشرعية، وفقه التعددية في الإسلام والتعامل مع الخلاف، مع ضبط مسألة الاتباع بالتفريق بين السنة والبدعة، ويضبط موازين المصلحة والمفسدة، والقدرة والعجز؛ ليفقه كيف يتعامل مع واقعه بفقه التمكين أو فقه الاستضعاف، فهو يفقه أن لكل مرحلة عبودية.

الداعية إلى الله: ليس بوقًا مشاعريًّا بلا منهج ولا فكر، وبلا منطلقات ولا أهداف، فإن مثل هذه الأبواق وإن انجذب إليها العوام والجماهير لا تنتج إلا نتاجًا مشوهًا مِن شخصيات مهزوزة ضعيفة هشة، صدامية متهورة، لا تتحمل عبء القضية والرسالة والصبر على طول الطريق، ولا تتحلى بالحكمة في اختيار المواقف والمعارك التي يخوضونها في مسيرتهم الإصلاحية.