دروس من قصة أصحاب الغار (1) (موعظة الأسبوع)

  • 443

(فضل التوسل إلى الله -تعالى- بالعمل الصالح عند الشدائد)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

المقدمة:

- الإشارة إلى الغرض مِن المواعظ، وهو الوقوف على الدروس والعِبَر في القصة، والتي مِن أعظمها: بيان سبيل الخلاص عندما تحيط بالإنسان الشدائد والمحن، وينقطع حبل الرجاء من العباد؛ ففي هذه الأحوال هناك باب لا ينقطع منه الرجاء، فهو -سبحانه- لا يغيب أبدًا، وقادر أبدًا؛ يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، وهذا ظاهر مِن حال أصحاب الغار.

فعن عبد الله بن عمر -رضى الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمْ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ -تعالى- بِهَا؛ لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَامْرَأَتِي وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِيَّ، وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ مِنْهَا فُرْجَةً فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ.

وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَجِئْتُهَا بِهَا، فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفْتَحْ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً، فَفَرَجَ لَهُمْ.

وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَظْلِمْنِي حَقِّي. قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا فَخُذْهَا، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا، فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ، فَفَرَجَ اللَّهُ مَا بَقِيَ) (متفق عليه واللفظ لمسلم).

- تحول الغار إلى قبر ينتظرون فيه الموت(1): كما هو حال مَن أحاطت بهم الأمواج الهادرة، والرياح العاصفة في عمق البحر، أو مَن تعطَّلت بهم محركات الطائرة، فجعلت تتأرجح بهم في عمق الفضاء الواسع، أو مَن تزلزلت الأرض مِن حولهم، فخرت عليهم سقوف بيوتهم، وأصبحوا مأسورين في مساحة ضيقة تحت الأنقاض لا يدري بهم أحد من العباد، فليس لهؤلاء جميعًا إلا الله: (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) (الأنعام:64)، (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (يونس:22).

- لذلك ما أحسن مقترح أحدهم بالتوسل إلى الله بصالح أعمالهم: قال: (انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ -تعالى- بِهَا لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ).

(1) الترغيب في التوسل إلى الله:

- رغَّب الله عباده في التوسل إليه بكل ما يحب: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:35)، قال ابن جرير في التفسير: "اطلبوا القرب إليه بالعمل بما يرضيه".

- وبيَّن -سبحانه- أن الأولياء والصالحين يتنافسون في الوسائل المؤدية إلى القرب من الله، على خلاف ما يعتقد المشركون فيهم: فقال -تعالى-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (الإسراء:57).

- إشارة مختصرة لأنواع التوسل الثلاثة: (التوسل بأسماء الله وصفاته - والتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة - والتوسل إلى الله بدعاء الصالحين الأحياء).

(2) التوسل إلى الله بالعمل الصالح(2):

- قصتنا من أعظم الشواهد على فضل التوسل بالعمل الصالح: قال: (انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ -تعالى- بِهَا لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ).

- رغَّب الله -عز وجل- عباده في التوسل إليه بالأعمال الصالحة بذكر فضل مَن فعل ذلك: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران:15-16)، وقال عنهم: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:53)، وقال: (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ . رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) (آل عمران:193-194).

- بل تأمل فاتحة الكتاب، نصفها توسل في صورة ثناء، ونصفها الآخر سؤال ودعاء: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ). قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) (رواه مسلم).

(3) صور من توسل الأنبياء بأحوالهم الإيمانية في طاعة الله:

- نوح -عليه السلام- يتوسل إلى ربه بما كان من صبره ومعاناته: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ . فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر:10-12).

- يونس -عليه السلام- يتوسل إلى ربه بضعفه وندمه: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَ لِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء: 87-88).

- أيوب -عليه السلام- يتوسل إلى ربه بشدة بلائه وعظيم صبره: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء: 83-84).

- يوسف -عليه السلام- يتوسل إلى ربه بانكساره وافتقاره: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ . فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (يوسف:33-34).

- موسى -عليه السلام- يتوسل إلى ربه بضعفه وشدة حاجته: (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص:24).

- زكريا -عليه السلام- يتوسل إلى ربه بضعفه وحاجته إلى الولد المعين على حمل مسؤولية الدِّين مِن بعده: (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا . إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا . قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا . وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا . يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا) (مريم:2-7).

(4) أعمال صالحة تعين على تفريج الشدائد والمحن:

1- حسن الظن بالله (أنه سيُذهِب الشدة وتنتهي المحنة) والحذر من اليأس والجزع: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ) (رواه أحمد وابن ماجه والطبراني، وحسنه الألباني)، وقال -تعالى- في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ)(3) (رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني).

2- الإقلاع عن الذنوب وملازمة الاستغفار(4): روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ" (رواه أبو داود وابن ماجه)، وروي عنه -صلى الله عليه وسلم-: "أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ: انْتِظَارُ الْفَرَجِ" (رواه الترمذي).

3- ملازمة الدعاء والتضرع: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) (الأنعام:34)، (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (النمل:62)، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بهذه الكلمات عند الكرب: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ) (رواه البخاري).

4- الإكثار من الصلاة: قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) (البقرة:45)، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر قال: (يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وذكر التنوخي في كتاب: "الفرج بعد الشدة" عن إبراهيم التيمي، قال: "لما حُبِست الحبسة المشهورة، أُدْخِلتُ السِّجْن، فأنزلت على أناس في قيدٍ واحدٍ، ومكان ضيق، لا يجد الرجل إلا موضع مجلسه، وفيه يأكلون، وفيه يتغوطون، وفيه يصلون! قال: فجيء برجل من أهل البحرين، فأدخل علينا، فلم نجد مكانًا، فجعلوا يتبرمون به فقال: اصبروا، فإنما هي الليلة. فلما دخل الليل، قام يصلي، فقال: يا رب، مننت على بدينك، وعلمتني كتابك، ثم سلطت عليَّ شرَّ خلقك، يا رب، الليلة، الليلة، لا أصبح فيه. فما أصبحنا حتى ضربت أبواب السجن: أين البحراني، أين البحراني؟ فقال كل منا: ما دعي الساعة، إلا ليُقتل، فخلي سبيله. فجاء، فقام على باب السجن، فسلم علينا، وقال: أطيعوا الله لا يضيعكم!".

5- بر الوالدين: وموقف الأول مِن أصحاب الغار شاهد على ذلك، وسيأتي الحديث عن ذلك تفصيلًا في المرة القادمة -إن شاء الله-.

والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لقد أصبحوا في حال أشد مِن حال المطر، لقد أصبحوا محصورين لا حيلة لهم باختراقه بقوتهم الذاتية، ولا سبيل لإخبار أقوامهم، ولو أراد أقوامهم أن يبحثوا عنهم عندما تطول غيبتهم فلن يهتدوا إليهم، فالأمطار أزالت آثار الأقدام! ومثل هذا الموقف يوقن الإنسان معه أنه لا نجاة له إلا بالله، وأن الله وحده العالِم بمكان وجودهم، وأنه هو الذي يراهم ويسمعهم؛ فهو الذي لا تَخْفَى عليه خافية، فهو القادر حيث لا قدرة للعباد، وهو الحافظ حيث لا تصل الوسائل التي يُحفَظ بها العباد.

(2) كأن يقول العبد: "اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك، واتباعي لرسولك... اغفر لي، أو فرِّج عني، أو يذكر عملًا صالحًا ذا بال، فيه خوفه من الله -سبحانه وتعالى- وتقواه، أو عظيم طاعته، ومرضاته في هذا العمل".

(3) فالحذر مما يقع فيه كثيرٌ مِن الناس إذا نزلت بهم الشدة والمحنة (تعطل المصعد - أو السيارة في الصحراء - أو السجن - ونحوه)، فيحصل الانهيار والانزعاج المدمِّر المصحوب بالأحوال المؤسفة. وما أحسن تصرف أحد الدعاة لما تعطلت حافلتهم في الطريق الصحراوي ليلًا، فقام يحكي للناس قصة أصحاب الغار؛ فكان لذلك أثر عظيم.

(4) يشهد لذلك موقف الثالث من أصحاب الغار حيث كان يريد الفاحشة بابنة عمه، فلما أقلع وتاب، كان ذلك من أسباب الفرج.